رسولنا قدوتنا.. رسالة الإخوان المسلمين إلى الأمة في مولد الحبيب
رسولنا قدوتنا.رسالة الإخوان المسلمين إلى الأمة في مولد الحبيب ربيع الأول 1440 هجريًا - نوفمبر 2018 م قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (الأحزاب: 45 - 48).
ما أحوج أمتنا اليوم، بل ما أحوج الدنيا بأسرها، إلى قبس من أنوارك يا سيدي يا رسول الله، تستنير به وتمشي على هديه وقد لفَّها ليل طويل، غامت فيه الرؤية، وشقي فيه الإنسان، وتوارى فيه العدل، وساد الظلم، وغابت الرحمة، وحلَّت القسوة، وتحكَّمت الشهوة، وطغت المادة، وغلب الهوى، واسْتَخْفَت الفضيلة، وتبجَّحت الرذيلة، وخَفَتَ صوتُ الضمير، ويكاد طنينُ الباطل يَصُمُّ الآذان.
نعم يا سيدي يا رسول الله.
هذا هو حال دنيانا اليوم، وقد فشلت أدوية الحضارة الحديثة أن ترد للإنسان بعض إنسانيته التي فقدها في ظلها، وفشل فلاسفة العالم وعلماؤه وأدباؤه ومنظّروه وساسته وقادته أن يهبوه قليلاً من الرشد في التفكير والاستقامة في السلوك، والعدالة في الأحكام، والشرف في الخصومة، وفشلوا أن يعيدوا إليه شيئًا من السلام والطمأنينة، وأصبحت الدنيا كلها حلبةً للصراع، يأكل القويُّ فيها الضعيف، ويستصرخ المظلوم نخوة الناس، فلا يسمع إلا رجع الصدى.
نعم يا سيدي يا رسول الله.
فالعالم كله اليوم يشاهد ليل نهار دماء الأبرياء النازفة في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وميانمار وتركستان الشرقية، وغيرها، وكأنه في غيبوبة، ويشاهد أطفال اليمن وشيوخه ونساءه، وقد عضَّهم الجوع وفتك بهم الوباء، وأصبحوا عظامًا تكسوها الجلود، وأشباحًا تتردد فيها الأنفاس، وكأنهم يتفرَّجون علي فيلم سينمائي، لا على معاناة إنسانية حية مروعة، ستبقى سبَّة في جبين العالم إلى يوم القيامة.
لقد تعذَّب الإنسان كثيرًاً، وشقيت البشرية طويلاً، ولا علاجَ لهذه الأدواء إلا بالرجوع إلى هديك يا حبيبي يا رسول الله.
لقد علَّمت الدنيا يا سيدي كيف تكون الإنسانية، وكيف تكون الرحمة، وقد أنصفْتَ أعداءك قبل أصدقائك، وزرعْتَ في العقول والقلوب حبَّ الإنسان لأخيه الإنسان، وغرسْتَ عميقًا في شغاف القلوب حب الخير والبر والمعروف والفضيلة، وبغَّضت إليها الشر والمنكر والرذيلة، وعلّمت الناس كيف يقيمون العدل، ويرفضون الظلم، ويقيمون مجتمعًا مترابطًا متماسكًا متحابًّا متعاونًا متكافلاً، لا يذل فيه الفقير، ولا يتكبر فيه الغني، ولا يطغى فيه السلطان، ولا يجور فيه القاضي، ولا يخاف فيه الناس أن يجهروا بكلمة الحق، ولا يفلت فيه المجرم من العقاب مهما كانت مكانته.
علّمتهم كيف يصلون الرحم، ويكرمون الضيف، ويحملون الكًلَّ، ويعينون على نوائب الحق، علّمتهم كيف يغيثون الملهوف، ويعينون الضعيف، وينصرون المظلوم، ويسعون في حوائج المحتاجين.
علمتهم العزة في غير كبر، والتواضع في غير ذلّة، والتسامح في غير تفريط، والشجاعة في غير تهوُّر، والعطاء بلا مَنّ ولا رياء.
يا أبناء أمتنا.
هلمُّوا إلى ميراث رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم؛ ففيه الشفاء والدواء، وفيه الخير والمصلحة، وفيه الحلول الحقيقية لكل مشكلاتنا، ولا تتأثروا بشبهات الحاقدين، ودعايات المغرضين، التي تزهِّدكم في هذا الميراث العظيم، وتصرفكم عنه بدعوى التقدم والحضارة واختلاف الزمن، وغير ذلك، فالحضارة الحقيقية هي التي تُعلي من قيمة الإنسان ويعيش الناس في ظلها إخوة، ولا تجعل منهم سلعة تباع وتشترى.
يا أبناء أمتنا.
تدبّروا سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، تعلّموها وتدارسوها وتذاكروها في مجالسكم، وعلّموها أولادكم، واجتهدوا أن تقتدوا بالحبيب صلى الله عليه وسلم في كل شئونه وأحواله، وتسيروا على هديه، فهو المثل الكامل للإنسانية الفاضلة، وهو التطبيق العملي الصحيح لرسالة الإسلام التي ارتضاها الله للناس كافة إلى آخر الزمان.
يا أبناء أمتنا.
هيّا نقتديَ بحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في علوِّ همَّته في نصرة الدين ومفاصلة الباطل.
عَنْ عَقَيْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ, فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يُؤْذِينَا فِي نَادِينَا وَفِي مَسْجِدِنَا فَانْهَهُ عَنْ إِيذَائِنَا، فَقَالَ لِي: يَا عُقَيْلُ, ائْتِنِي بِمُحَمَّدٍ, فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ بني عَمِّكَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تُؤْذِيهِمْ فِي نَادِيهِمْ وَفِي مَسْجِدِهِمْ, فَانْتَهِ عَنْ ذَلِكَ, قَالَ: "فَحَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ, فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّمْسَ؟", قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "مَا أَنَا بِأَقْدَرَ أَنْ أَدَعَ ذَلِكَ, مِنْكُمْ أَنْ تُشْعِلُوا مِنْهَا شُعْلَةً".
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: مَا كَذَبَنَا ابْنُ أَخِي قَطُّ, فَارْجِعُوا (رواه الحاكم والطبراني وصححه الألباني).
ونقتدي به في علوِّ همته في العبادة.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى مِنْ اللَّيْلِ قَامَ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، وفي رواية: حَتَّى تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَقُلْتُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟, وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟" (رواه البخاري ومسلم)، ونقتدي به في علوِّ همَّته في البذل والعطاء.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "إنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ الْمَلَكُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيّ).
يا أبناء أمتنا.
هيا نقتديَ بحبيبنا صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وسلوكه، في استقامته وعفته، وفي سماحته ورحمته، وفي رفقه ولينه، وفي صبره وأناته، وفي عزمه وحزمه، وفي جوده وكرمه، وفي علمه وحكمته، وفي قيادته وتوجيهه، وفي حواره ونقاشه، وفي دعوته وإرشاده، وفي جهاده ورِبَاطِهِ، وفي سلمه وحربه، وفي حِلِّهِ وتَرْحَالِهِ، وفي قوله وفعله.
هيا نقتديَ به في حرصه على هداية الناس وإرشادهم إلى ما يُصلحهم في المعاش والمعاد، وإشفاقه عليهم حتى قال له رب العزة سبحانه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (الكهف: 6)، وما أحوجنا إلى هذه العاطفة الحية المشبوبة تجاه مجتمعاتنا التي تحتاج إلى كل جهد مخلص لتوعيتها بما يجب عليها، وتعريفها بحقوقها وواجباتها، وربطها بتاريخها وأمجادها، وتفطينها إلى ما يحاك لها في الظلام من أعدائها، ورصّ صفوفها في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بها في الداخل والخارج.
يا أبناء أمتنا.
ثقوا أن لديكم أعظم ميراث في هذه الدنيا، وبين أيديكم أفضل منهاج لإصلاحها، وعلاج أدوائها، فلا تبحثوا بعيدًا عنه فتتنكبوا الطريق، فالطريق من هنا، خلف محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، والتابعين لهم بإحسان من سلف هذه الأمة وخلفها، فأحْيُوا سنته، وارفعوا رايته، وانتظروا النصر والتوفيق من الله تعالى، وما ذلك على الله بعزيز ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران: من الآية 126).
وكلمة أخيرة.
إليكم يا من تناصبون محمدًا صلى الله عليه وسلم العَداء، وتحاربون سنته جهلاً بها أو حقدَا عليها، من أبناء أمتنا أو من غيرهم، إننا نشفق عليكم من الطريق الذي تسيرون فيه، وندعوكم دعوة مخلصة أن تتخلوا عن عصبيتكم، وتدرسوا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم دراسةً موضوعيةً منصفةً، بتجرد كامل للعلم والحقيقة، وساعتها ستكتشفون كم كنتم مخطئين في عداوته، وكم حرمتم أنفسَكم ومن استمع إليكم من الانتفاع بأنوار النبوة وأدويتها الربانية ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ (ص: 88) ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر: 44) ﴿واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).
والله أكبر ولله الحمد