بيان من الكتلة البرلمانية للإخوان حول التعديلات الدستورية المقترحة
تأتي التعديلات الدستورية المقترَحة في ظل أحداث كثيرة وتراجعٍ واضحٍ في عملية الإصلاح السياسي والدستوري التي أعلن عنها وانتظرها الشعبُ المصري، وفي توقيت يمرُّ فيه المجتمعُ بظروف بالغة السوء، تتطلَّبُ إيجادَ مناخٍ مناسبٍ لإزالة حالة الاحتقان السياسي والتردِّي الاقتصادي، المفروضة على شعبنا، ومواجهة الأخطار المحدقة به.لا يخفَى أن الهدف النهائي للتعديلات المقترَحة من خلال قراءة مُنصفة لها ليس مجرد إقصاء فصيل بعينه، بل هو في الحقيقة إقصاءٌ للغالبية العُظمى من شعب مصر، بمختلف اتجاهاته السياسية عن العمل السياسي، ومنعه من ممارسة حقوقه، بل وترهيبه بمصادرة حقِّه الطبيعي في رفْضِ ما يُفْرَض عليه من رؤية تعود به إلى عهود سالفة من التخلُّف والاستبداد.
وفي الوقت الذي تطلَّع فيه الشعب إلى تعديلات دستورية تعبِّر عن توافق مجتمعي يحقِّق طموحاته وآماله في أساس لإصلاح شامل.
جاءت الاقتراحات المقدَّمة إلى مجلس الشعب معبِّرَةً عن رؤيةٍ أحاديةٍ للحزب الحاكم، لا تعبِّر عن هذا التوافق المجتمعي اللازم لأي تعديل دستوري، متجاهلةً الاقتراحات التي تم تقديمُها في نهاية الدورة البرلمانية السابقة، الأمر الذي يُفقد هذه التعديلات مشروعيتَها الشعبية والسياسية ابتداءً.
وفي الوقت الذي انتظرت فيه الأمة تعديلاتٍ دستوريةً تطلق الحياةَ السياسيةَ والحزبيةَ من عقالها، وتكفل نشأة الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار، وتمكنها من أداء دورها الجماهيري بكل أشكاله، وتُزِيْل كل المعوقات والعقبات التي تحول دون ذلك.
جاءت الاقتراحاتُ بتعديل (المادة 5) لتضيف المزيد من القيود التي تكبِّل الحياة السياسية والحزبية، وتتجاهل واقعَها الذي لا يعبر بحقٍّ عن المجتمع، ولا يحقق مقوِّماته الأساسية، وهو ما يلقي بظلالٍ من الشكِّ حول جدية دعاوَى الإصلاح والتنمية.
وإننا إذ نؤكد وجوبَ عدم التفرقة بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو الأصل، وهو ما توجبه مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية- التي نراها الضمانَ الأكيد دون سواه للتطبيق الصحيح للمبدأ المتقدم- فإن تطوُّرَ الحياة السياسية وازدهارَها رهينٌ بقدرة النظام السياسي على التعاطي والتفاعل مع المقوِّمات الأساسية للمجتمع واتجاهات الجماهير ورغباتها، وهو ما يصادرُه التعديلُ المقترَحُ بحظر مباشرةِ أيِّ نشاطٍ سياسيٍّ أو حزبيٍّ متفاعلٍ وملبٍّ لتلك المقومات.
وفي الوقت الذي انتظر فيه المجتمعُ مزيدًا من كفالة الحقوق والحريات العامة ومعالجة عوار التطبيق الذي صادر كثيرًا منها جاء تعديل المادتين (62، 94) مصادِرًا حقًّا أصيلاً هو الترشيح، في محاولةٍ إقصائية لقطاعات واسعة من الشعب المصري، فقصر التمتع بهذا الحقِّ على المنتمين للأحزاب، وهم نسبة لا تجاوز 3% من مجمل الشعب المصري، ومن مقتضاه حرمان 97% من الشعب من هذا الحق بل والواجب الوطني المقدَّس.
ولما كان جوهر العملية الديمقراطية هو مدى تحقيقها لسلطة الشعب الأصلية من خلال انتخابات حرة نزيهة، وكانت جماهير شعبنا تتطلَّع إلى المزيد من الحرية ونزاهة العملية الانتخابية، بتوسيع دائرة الإشراف القضائي؛ بحيث يهيمن على عملية الانتخابات منذ إعداد الكشوف حتى إعلان النتائج.
جاء المقترَح بالتعديل لنص المادة (88) ليعصِفَ بإمكانية إجراء أي انتخابات حرة نزيهة في المستقبل.
ولقد اتَّحدت كلمةُ الأمة على وجوب تعديل المادة (76) من الدستور، بما فرضته من موانع ومصادرة لحق الترشيح بموجب نص المادة (62) من الدستور، وتوافقت على وجوب تعديل المادة (77) بما لا يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من فترتَين، وجاءت الاقتراحات بالتعديلات خاليةً من ذكر أي تعديل للمادة (77)، وبمزيدٍ من تكريس التمييز بين المصريين ومخالفة أحكام الدستور؛ الأمر الذي لا يقف عند حدِّ تزوير إرادة الأمة، بل يتعدَّاه إلى استمرار الاستبداد والفساد.
وبدلاً من إنهاء حالة الطوارئ التي رزح تحت نِيرِها الشعبُ ربْعَ قرن كاملاً لينعمَ بحريته وحقوقه.
جاء المقترَحُ بتعديل نَصِّ المادة (179) مخالفًا كلَّ الوعود السابقة؛ ليصادرَ إرادةَ الشعب المصري وحقوقَه وحرياتِه المكفولةَ بالمواد (41/ 44/ 45) فلا يأمن المصريُّ مع هذه الاقتراحات بالتعديلات على حريته الشخصية أو حرمة مسكنه وحرمة حياته، وهو ما يُطلِق يَدَ المؤسسة الأمنية- على اختلاف أجنحتها وهيئاتها- لتعبَثَ بمقدَّرات الشعب دون عاصم ولا رقيب.
اللهم إلا هوَى الاستبداد، سيَّما في ظل الواقع المصري وعدم استقلالية هذه الأجهزة عن قمة السلطة التنفيذية، واستمرار انتهاكها الدائم للحقوق والحريات، بل ولكرامة المواطنين، واستخدامها لقمع المخالفين السياسيين.
وفي هذا السياق لم تقدم التعديلات المقترَحة أيَّ رؤية لتعديل المادة (148) بما يكفل حقوق وحريات وضمانات الحرية الشخصية وحرمة الملكية الخاصة حال إعلان حالة الطوارئ.
أما ما ورد باقتراحات التعديل، من تعظيم سلطات مجلس الوزراء.
فكم من النصوص بالدستور القائم التي توجِب مشاركة مجلس الوزراء في رسم السياسة العامة للدولة ولم نرَ لها في واقعنا السياسي أيَّ أثر!! وما ورد بشأن دعم البرلمان وتوسيع اختصاصاته يصبِح غيرَ ذي جَدوى ما لم يكفل الدستور ويضمن حرية ونزاهة العملية الانتخابية، وهو ما عصفت به التعديلات المقترحة!! وإننا إذ نعلن رأيَنا في هذه المقترحات لَنُؤكد على ضرورة التعاون بين كافة قوى المجتمع من الأحزاب السياسية والنخب وسائر منظمات المجتمع المدني وعموم أبناء الوطن لدراسة هذه المقترحات، وإبداء وإعلان الرأي فيها، بما يحقق المصالح العليا للوطن.