بيانٌ من الإخوان المسلمين حول زيارة بوش للمنطقة
"لا مرحبًا بالقتلة" تبنَّت الولايات المتحدة الأمريكية قيمَ الحق والعدل، والحرية والمساواة، والديمقراطية والسلام، والتكافل وحقوق الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، باعتبارها زعيمةَ العالم الحر، وظلَّت تتغنَّى بهذه المبادئ والقيم أثناء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ولقد استقبل الشعب المصري الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون استقبال الأبطال؛ تعبيرًا عن شوقه للحياة في ظل هذه القيم الرفيعة، وتحت رعاية هيئة الأمم المتحدة.وما إن تحلَّل الاتحاد السوفيتي من داخله وتفككت دولته، وانفردت الإدارة الأمريكية بزعامة العالم حتى راحت تبحث عن عدو جديد، لم تجده- للأسف الشديد- إلا في العالم الإسلامي، فذهبت تحيك له المؤامرات حتى تزيده تمزيقًا وضعفًا وتخلُّفًا وتبعيةً وهوانًا.
واستغلت العدوان الذي وقع عليها في 11 سبتمبر 2001م، والذي لم يتم تحقيقٌ نزيهٌ فيه حتى الآن، فانطلقت المخططات السرية من عقالها، وبدأت بتدمير أفغانستان، وقتل عشرات الآلاف من أبنائها، وأسر وتعذيب الآلاف، وترحيل عددٍ منهم إلى معتقل جوانتانامو؛ حيث عذاب الجحيم، وللأسف الشديد فقد استُخدمت هيئة الأمم المتحدة مطيةً للقيام بهذا العدوان الإجرامي.
ثم قامت بجريمة أبشع، وهي احتلال العراق تحت دعاوى ثبت كذبُها، وهي امتلاك العراق أسلحةَ دمارٍ شامل، وقتلت نحو مليون عراقي؛ حيث سالت الدماء أنهارًا، وأُشعلت نيران الفتنة الطائفية التي تهدد بتقسيم العراق، إضافةً إلى تعذيب الآلاف بطريقةٍ تأباها الوحوش، كل ذلك إرضاءً للصهاينة، وإذلالاً وتمزيقًا للعرب، ونهبًا للبترول وتكريسًا لتبعية الأنظمة الحاكمة لسياستها.
كما دعمت الاحتلال الصهيوني العنصري في إجرامه المستمر ضد الفلسطينيين من قتلٍ يومي للأبرياء، واعتقالٍ للآلاف وتدميرٍ للبيوت واستيلاءٍ على الأراضي، وإقامةٍ للجدار العنصري والمستعمرات الصهيونية، ومدِّه بالمال والسلاح وحمايتِه بالفيتو الأمريكي، إضافةً للحصار الاقتصادي الخانق لقطاع غزة، وحرمانِ أهله من الغذاء والدواء والطاقة، حتى تساقط المرضى أمواتًا لفقدان العلاج، كما تقوم بتعميق الشقاق بين فتح وحماس، والتحريض على الاقتتال بين الفريقين؛ حمايةً لأمن الصهاينة.
كما حرَّضت إثيوبيا على احتلال الصومال، وأمدَّتها بالمال والسلاح لقتل الصوماليين وإشعال نيران الحرب من جديد بعدما كاد الأمن والاستقرار أن يستتب فيها.
ولا تزال أصابعها تلعب في السودان، مرةً في الجنوب، ومرةً في دارفور بغيةَ تمزيق البلد العربي الكبير وإشعال الفتنة بين أهله.
كذلك لا تزال تنفخ في خلافات الفرق اللبنانية، وتدعم فريقًا على حساب فريق؛ لتضمن ولاءً وانصياعًا لسياستها؛ مما يؤدي إلى نزع سلاح المقاومة اللبنانية؛ لتأمين شمال دولة الصهاينة.
كما افتعلت مشكلات مع إيران بدعوى استمرارها في تنفيذ برنامجها النووي العسكري؛ الأمر الذي ثبت كذبُه أيضًا مثلما حدث مع العراق، بل تريد منها إيقاف برنامجها النووي السلمي، متغاضيةً عن امتلاك الصهاينة لمئات الرءوس النووية العسكرية، ولا تزال تفتعل المشكلات لتخويف العالم العربي من إيران، وتسعى لحصارها إن لم يكن ضربها لتبديد المخاوف الصهيونية من إيران.
ولا تزال تؤيد الأنظمة المستبدة الفاسدة في عالمنا العربي، وتدعمها ضد إرادة شعوبها؛ مما يعمق الكراهية والعداوة بين الشعوب وحكامها؛ حتى يشعر هؤلاء الحكام بالضعف والحاجة إلى التأييد الخارجي، فيأتمرون بأمر الإدارة الأمريكية، وينفذون سياستها بمنتهى الإتقان، وما مؤتمر أنابوليس منا ببعيد، ضاربةً عرض الحائط بالوعود المتكررة التي ادَّعت فيها حرصها على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه المنطقة.
كل هذه الجرائم أورثت العرب والمسلمين كراهيةً غير محدودة للإدارة الأمريكية الحالية، خصوصًا أن معظم هذه الجرائم وقع في فترة حكمها، مع الزعم بأن هذا كله تم استجابةً للإرادة الإلهية (!!)؛ مما يعكس ما يضمره المسيحيون الصهاينة للعرب والمسلمين، وخلطهم المتعمد بين الإرهاب والإسلام، في الوقت الذي يمارسون فيه الإرهاب الدولي بأبشع صوره تحت دعوى محاربة الإرهاب.
من أجل ذلك كله فإننا باعتبارنا قطاعًا كبيرًا من الشعب المصري، نقول ونعتقد أن هذا الشعب جله- إن لم يكن كله- وكذلك الشعوب العربية والإسلامية والمُحبِّة للسلام، نقول لبوش الابن الذي لا تقطر يداه من دمائنا فقط، بل يخوض فيها خوضًا: "لا مرحبًا بك ولا بأعوانك في الإدارة الأمريكية فوق أرضنا وتحت سمائنا؛ فنحن نعلم أنه ما من مكانٍ حللتم فيه إلا حل فيه الخراب والدمار".
ونقول لحكامنا: "ارجعوا إلى أحضان شعوبكم؛ حتى تسترجعوا حريتكم واستقلالكم وكرامتكم، وحتى تستطيعوا أن تقولوا للظالمين والقتلة (لا)".
كما نطالبكم بإنهاء وجود القواعد العسكرية الأمريكية فوق أرضنا العربية والإسلامية، كما نرفض وجود المراقبين الأمريكان على حدود مصر مع غزة؛ فلسنا شرطةً لحماية أمن الصهاينة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 24).
محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين القاهرة في 4 من المحرم 1429هـ= 12 من يناير 2008م