بيانٌ من الإخوان المسلمين حول التزوير المبكِّر لانتخابات البرلمان
إن النُّظم الديمقراطية المحترمة الواثقة من شرعيتها وشعبيتها تنافس القوى السياسية المختلفة معها منافسةً شريفةً لكسب الرأي العام، والإرادة الشعبية، وتنزل على نتائج الانتخابات الشفَّافة النزيهة؛ احترامًا لإرادة الجماهير واختياراتها، أما النُّظم الديكتاتورية الفاقدة للشرعية والشعبية فإنها تعتمد على الإرهاب البوليسي، وتزوير إرادة الناس، واغتصاب السلطة بغير حقٍّ.ونظامنا السياسي- للأسف الشديد- من النوع الثاني الذي ما فتئ يزِّور الانتخابات على كلِّ المستويات الطلابية والنقابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس، والمحليات، ومجلس الشورى، وأخيرًا انتخابات مجلس الشعب، وفي كلِّ مرَّة يزعم هذا النظام أن هذه المرة لن تكون مزوّرة كسابقاتها، ولكن ستكون نزيهةً حرةً، ولكن هيهات!!، فكيف لنظام فاسد مستبدٍّ أن يفي بوعده، أو يحترم إرادة شعبه؟! ولقد بدأ النظام تزويره لانتخابات مجلس الشعب القادمة في 28/11/2010م مبكرًا؛ حيث تمَّ القبض على ما يقرب من ألف فرد من الإخوان المسلمين ومناصريهم، منذ إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن مشاركتها في هذه الانتخابات، وهاجم ما يقرب من مائة مؤسسة اقتصادية يمتلكها أفراد من الإخوان المسلمين، وصادر أموالهم وبضائعهم وأجهزتهم منها.
ومع مرور الوقت أسفر النظام عن نيَّته المبيَّتة في التزوير والتضييق على مرشحي الجماعة، فشطب العشرات من قوائم المرشحين، منهم ستةٌ من أعضاء مجلس الشعب الحالي، وبعد حصولهم على أحكام قضائية واجبة النفاذ، وصدور قرار من اللجنة العليا للانتخابات بإعادتهم إلى جداول المرشحين، رفضت مديريات الأمن تنفيذها جميعًا، وقامت الأجهزة الأمنية بتمزيق لافتات الدعاية لمرشحي الإخوان المسلمين، ومنع المؤتمرات الانتخابية، ومحاصرة الجولات والمسيرات، والعدوان بالضرب على السائرين فيها، وإطلاق القنابل المسيلة للدموع عليهم، وإطلاق الرصاص فوق رءوس المواطنين؛ لإرهابهم، واعتقال من يمكن اختطافه منهم، وللأسف تتجاوب بعض النيابات مع الأمن فتحكم بحبسهم لمدد تتجاوز موعد إجراء الانتخابات، وقد تمَّ حبس المئات بالفعل حتى الآن.
إن الترشُّح والانتخاب حقَّان دستوريان لكلِّ مواطن استوفى الشروط لذلك، وكل المسئولين الكبار أقسموا يمينًا بالله أن يحترموا الدستور والقانون، وهاهم أولاء ينقضون هذه الأَيْمَان ويعتدون على الدستور والقانون وحقوق الشعب، ويغتصبون السلطة، ويفسدون في الأرض؛ الأمر الذي أدَّى إلى مقت الشعب لهم، وحصول احتقان شعبي غير مسبوق، خصوصًا أن الأحوال العامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية والتعليمية، ومكانة مصر على كلِّ المستويات الإقليمية والدولية تتدهور يومًا بعد يوم، والتبعية المهينة لهيمنة الإدارة الأمريكية والصهاينة تزداد ازديادًا مطَّردًا؛ ما جعل صبر الناس يوشك على النفاد، واحتقانهم يوشك على الانفجار، مع ازدياد البطش الأمني والإرهاب الحكومي باقتراب موعد الانتخابات.
لذلك فإننا نحذِّر بشدة- وبمنتهى الإخلاص والحب لمصر وشعبها- من التداعيات الخطيرة لهذا الموقف وهذه الأعمال غير المسئولة؛ خشية إراقة دماء في الشارع مثلما حدث في المرحلة الثالثة من انتخابات 2005م؛ حيث قتل أربعة عشر (14) مواطنًا مصريًّا، ولم تُحرِّك النيابة العامة دعوى واحدةً ضد القاتل المجهول، فعلى كل مسئول أن يتدخل فورًا لإلجام هذا الظلم ومنع البطش بالشعب إن كان يخاف على مستقبل هذا البلد.
ونذكِّر بما حذَّر منه الإمام الشهيد حسن البنا منذ أكثر من ستين عامًا حين قال: "وأما الثورة فلا يفكِّر الإخوان المسلمون بها، وإن كانوا يُصارحون الحكومة بأن الحال إذا بقيت على هذا المنوال فستقوم ثورة، ليست من صنع الإخوان المسلمين، ولكن من مقتضيات الظروف".
ودعوتنا للشعب أن يصرَّ على التمسك بحقوقه وأداء واجبه بالطرق السلميَّة حتى يتجدَّد الأمل في إنقاذ هذا البلد مما هو فيه ومما يراد له، ولن يضيع حقٌّ وراءه مطالبٌ.
ونحن الإخوان المسلمين لن يثنينا هذا العدوان عن طريقنا، ولن يفتَّ في عضدنا، ولن يدفعنا إلى النكوص أو التقاعس، وسنظلُّ مع شعبنا المصري المخلص الأمين لاستعادة حقوقه وحرياته وتحقيق نهضته المنشودة، واستعادة مكانته المرموقة بين أمم الأرض- بإذن الله- ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾ (آل عمران)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف).
والله أكبر ولله الحمد الإخوان المسلمون القاهرة في: 14 من ذي الحجة 1431هـ= 20 من نوفمبر 2010م.