مجلة الدعوة تحاور عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمد نزّال
فى ظل معركة طوفان الأقصى وتداعياتها حاورت مجلة الدعوة القيادى الفلسطينى محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس بخصوص تطورات المعركة وتقييم نتائجها وعملية التفاوض وغير ذلك.. وإليكم الحوار
س1: بعد تسعة شهور من بدء معركة (طوفان الأقصى) ... كيف تقيّمون موضوعيا نتائج هذه المعركة حتى الآن؟
ج1: موضوعيا وبصدقية ومصداقية، أستطيع القول بملء الفم: إن المقاومة الفلسطينية وفي طليعتها كتائب عز الدين القسّام، هي المنتصرة في هذه المعركة حتى الآن. ولا أنطلق في استخلاصي لهذه النتيجة من حالة « الإنكار» أو « الأوهام» أو « الدعاية النفسية»، ولكن من خلال الواقع الذي يشير إلى ما يلي:
أولا: فشل العدو في استئصال المقاومة وتصفيتها، وهو الهدف الأول الذي ردّده نتنياهو وعصابته الإرهابية المجرمة، من سياسيين وعسكريين، فالمقاومة حاضرة وموجودة في جميع أنحاء قطاع غزة، وتكبّده كل يوم تقريبا، خسائر باهظة في الأرواح والمعدّات.
ثانيا: لم يتمكّن من استعادة أسراه لدى المقاومة، وهو الهدف الثاني، الذي يردّده دائما، على الرغم من الأدوات والوسائل الاستخبارية والتكنولوجية التي يمتلكها، ويمتلكها حلفاؤه الأمريكان والبريطانيون، وتم استخدامها منذ الأيام الأولى.
ثالثا: فشل محاولاته لفرض سلطة بديلة تأتي على دبابته، شبيهة بسلطة (قرضاي) التي فرضها الاحتلال الأمريكي في أفغانستان. وهو ما يزال حتى الآن يتخبّط في اختيار سلطة عميلة تؤول إليها الأمور في قطاع غزة.
رابعا: فشل مشروع « التهجير» الذي عمل الاحتلال بقوة السلاح والنار والتجويع، على فرضه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حتى يهاجر قسرا وكرها إلى مصر أو الدول الأخرى.
س2: ولكن هناك من يسخر من الادّعاء بالانتصار، ويشير إلى أن العدو حوّل قطاع غزة إلى ركام، وأنه أصبح بلا جامعات ومستشفيات ومدارس وطرق وبنى تحتية، هذا فضلا عن خمسين ألف شهيد حتى الآن، وأضعافهم من المصابين والمعاقين... ما هو تعليقكم على ذلك؟
ج2: أحيل السائلين إلى قول الله تعالى في محكم التنزيل: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
معاشر المؤمنين عليهم أن يعودوا إلى هذه الآية، ليدركوا أن الألم متبادل بيننا وبين عدونا، مع اختلاف الغايات، فلا معركة دون ألم وأوجاع ومعاناة... تعالوا لنرى، ما الذي يعانيه العدو: عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين، وهذه أرقام غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان. هناك مئات الآلاف من المشرّدين من مستوطنات الجنوب ( غلاف قطاع غزة)، ومستوطنات الشمال ( قرب الحدود اللبنانية)، ونصف مليون هارب وفار من الكيان إلى خارج فلسطين، وغالبيتهم ذهبوا ولن يعودوا. توقّف الهجرة إلى فلسطين، بعد أن كانت هذه الهجرة، أحد أهم الركائز التي يقوم عليها الاحتلال. الانهيار المعنوي في المجتمع الصهيوني، وتزايد درجة الانقسام والتشظّي في مكوّناته.. تهشّم صورة الاحتلال في المجتمعات التي كانت تتعاطف معه وتدعمه وتسانده، وخصوصا أمريكا والغرب، وتبلور أجيال جديدة فيها، أصبحت تنظر للكيان الصهيوني نظرة اشمئزاز واحتقار، وبعضها أصبح يرفع شعار « فلسطين من البحر إلى النهر»، وقد امتد ذلك إلى بعض السياسيين الغربيين، فقد قالت نائبة رئيس الوزراء الإسباني ( يولاندا دياز): إن « فلسطين ستتحرّر من النهر إلى البحر»، وهو ما أقض مضاجع قادة الكيان الصهيوني.
خلاصة ما أردت قوله، إن الخسائر العسكرية والسياسية التي مني بها الاحتلال كبيرة ونوعية، يضاف إليها بالتأكيد الخسائر الاقتصادية والمالية.
لذا، لا ينبغي أن ننظر إلى واقع المعركة بعين واحدة، ومن زاوية واحدة.
نعم، لقد دفعنا ثمنا كبيرا، وأهمه ما يتعلّق بأرواح البشر الذين فقدناهم، ولكن العزاء أن « قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار»، وهو المنطوق الذي أسّسه قائد البشرية ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام، معلّقا على هزيمة المسلمين يوم أحد.
س3: تزايد الحديث في الأيام الأخيرة عن قرب التوصّل إلى اتفاق، وأن رد حماس كان إيجابيا.. ما الذي يمكن الإفصاح عنه؟
ج3: كنا، ومنذ بداية العملية التفاوضية غير المباشرة، إيجابيين في التعاطي مع الوسطاء، وقدّمنا أوراقا عملية وحلولا منطقية، ولكن نتنياهو وعصابته الحاكمة، لا يريدون وقف الحرب، لاعتبارات تخص كل واحد منهم؛ نتنياهو يدرك أن وقف المعركة، يعني أن حياته السياسية بدأت بالنهاية والأفول، فهناك ملفات فساد مالي وإداري تنتظره قضائيا، وهناك ملف الحرب وإخفاق قواته العسكرية والأمنية، التي يتحمّل مسؤوليتها بالدرجة الأولى، لذا هو يريد أن يبقي ملف الحرب مفتوحا، ويمكن إنهاؤها في حالة واحدة فقط بالنسبة له، أن تكون الصورة هي إعلان حماس الاستسلام. ولكن « الدائرة» تضيق على نتنياهو، وهو محاصر سياسيا، خاصة بعد خطاب بايدن، وقرار مجلس الأمن الدولي.
هناك تحرّكات جديدة من الوسطاء والإدارة الأمريكية، وقد ينتج عنها شيء جديد، ولكن يبقى نتنياهو « العقبة الكأداء» أمام إنهاء الحرب والعدوان.
س4: إذا افترضنا جدلا، أن نتنياهو لم يوافق على رد حركة حماس، فما هي خياراتكم في هذه الحالة؟
ج4: خيارنا في هذه الحالة هو الدخول في عملية « استنزاف» لجيش الاحتلال، وهو استنزاف يطال الأرواح والمعدّات والمعنويات، ويشكّل حالة إنهاك للعدو على جميع الصعد والمستويات، وهو ما سيدفع العدو إلى التوقف في لحظة ما، عندما تصبح كلفة الحرب عالية عليه، ولا يستطيع احتمال استمرارها.
س5: في حال أوقف نتنياهو الحرب، فما هي سيناريوهات اليوم التالي؟
ج5: أي سيناريو يسعى إليه الاحتلال والإدارة الأمريكية، لفرض سلطة تحكم الشعب الفلسطيني رغما عنه وعن إرادته، هو سيناريو محكوم عليه بالفشل، ولن يكتب له النجاح.
لقد عمل الاحتلال على مدى الشهور التسعة الماضية على البحث عن بدائل أو صناعتها، ولكن فشلت جميع محاولاته، لأن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على درجة كبيرة من الوعي والوطنية لا تسمحان للقوى الصهيونية والغربية أن تستلب إرادته، وأن تحوّله إلى أداة من أدوات الاحتلال.
س6: يبدو أن « طوفان الأقصى» لم ترخ بظلالها على العلاقة بينكم وبين حركة فتح، لأسباب غير مفهومة لدى الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي... لماذا لا نرى تقدّما في العلاقة بينكما، خصوصا أن المعركة تستهدف في جوهرها الشعب الفلسطيني، ولا تميّز بين مكوّناته؟
ج6: لقد أبدينا دائما استعدادا لتطوير وتعزيز وتفعيل العلاقة مع حركة فتح في سياق العلاقة مع المجموع الوطني الفلسطيني، ولكن كان يعترضنا إصرار رئاسة حركة فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ممثّلة بشخص رئيسها محمود عباس، الذي يصرّ على اعتراف حماس بشروط الرباعية الدولية، التي يأتي الاعتراف بالكيان الصهيوني في مقدّمتها.
كما أن موقف حركة فتح والسلطة من معركة « طوفان الأقصى» زاد الطين بلّة، إذ أصدرت حركة فتح بيانا بتاريخ 15/3/2024، أدانت فيه معركة طوفان الأقصى، مشيرا إلى أنها تسبّبت في احتلال الكيان الصهيوني لقطاع غزة، وهو الأمر الذي كرّره محمود عباس في خطابه بالقمة العربية في (المنامة)، بعدها بشهرين إذ حمّل حماس مسؤولية العدوان على غزة، عندما وصف عملية (7أكتوبر) « بأنها وفّرت الذرائع والمبرّرات للاحتلال كي يهاجم قطاع غزة»، وكان لافتا أن أحدا من القادة العرب لم يوجّه هذا الاتهام، وانفرد عباس بذلك!
على أي حال، على الرغم من هذه المواقف، فإن حماس تبحث عن القواسم المشتركة الممكنة، وهي تعتقد أن اللقاء ينبغي أن يكون جامعا للقوى الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح.
س7: ما تقييمكم لمواقف الدول العربية وشعوبها من معركة ( طوفان الأقصى)، وهل هذه المواقف كافية؟ وما هو المطلوب؟
ج7: دعنا نميّز بين المواقف الرسمية والمواقف الشعبية، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وإذا أردنا أن نكون صرحاء وشفّافين، فإن المواقف الرسمية في عمومها لا تتناسب على الإطلاق مع ما يمكن أن تقدّمه هذه الدول، فالمطلوب كثير جداً.
أما الشعوب فمواقفها أفضل وأجود، ولكن يمكن أن يكون أداؤها أحسن، ولا أريد أن أكون وصيّا عليها، وأن أرشدها إلى ما يجب فعله، وهي أدرى بإمكاناتها وقدراتها، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ...﴾. [التغابن ١٦]