رسالتنا.. في نعي الشهيد القائد إسماعيل هنية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..
الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
إننا نحتسب عند الله تعالى أخانا الشهيد إسماعيل هنية، الذي استشهد بصواريخ الغدر الصهيوني؛ ليلحق بمن سبقه من إخوانه، وتزدان به قوافل الشهداء تحت عرش الرحمن جلَّ وعزَّ. ونسأل الله تعالى أن يكون وإخوانه الذين سبقوه، والذين سيلحقون به على درب الشهادة؛ ممن صدقوا العهد مع ربِّهم، ووفوا ببيعهم، وأدوا واجبهم تجاه دينهم وأمتهم وأرضهم، وأقاموا بجهادهم النبيل واستشهادهم الدامي، الحجة على القاعدين والعاجزين: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: 23].
إن فجيعتنا، وألمنا في استشهاد أخينا المجاهد إسماعيل هنية عظيمة؛ لكننا نتعزى ونتصبر عليها بما أعدَّه الله تعالى من رفعة وأجر ومنزلة للشهداء؛ نحسبه منهم، والله حسيبه. لقد ترك الدنيا، وغادرها إلى جنة عرضها السماوات والأرض؛ حيث لا غدر، ولا صخب ولا نصب، ولا خذلان ولا مهانة.
استشهد المجاهد إسماعيل ليعلم أهل الحق أنَّ من عاش على شيء مات عليه؛ ونعلم أنه قد وقف نفسه منذ نعومة أظفاره على خدمة الإسلام والمسلمين، والتضحية بكل رخيص، وغال في سبيل تحرير أرض فلسطين، والمسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من أيدي الصهاينة المجرمين.
لقد كافأه الله تعالى بالشهادة في سبيله، بعد أن اصطفى أولاده وأحفاده شهداء! وأي منزلة أعظم، وأي جائزة أثمن من منزلة الشهادة في سبيل الله.
لقد اختاره الله، واتخذه شهيدا ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 140].
اصطفاه الله، واجتباه، بعد حياة مليئة بالجهاد، على درب القادة العظام من قيادات الحركة الإسلامية (حماس).
إن الدماء التي تنزف من أبناء فلسطين الحبيبة، ومن قياداتها تروي معاني الحرية والاستقلال والانخلاع من ربقة المحتل الغاصب، ولن يضيع ذلك عند الله سدى، ولن يقر لنا ولهم قرار حتى تتحرر أرض فلسطين التي بتحريرها تتحرر الأمة جميعا.
إن الراية التي طالما ضحوا من أجلها، وأعلوها وحافظوا عليها لن تسقط - بإذن الله تعالى- فقد تلقفها خلف عدول، يزيدون البناء طبقة، ويقطعون بالأمة شوطا نحو التحرير.
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
سيبذلون في سبيلها الغالي والثمين، ويهتفون من أعماق نفوسهم وبكل ضمائرهم أن الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
إن الطريق واضح: صبر وجهاد، فإما نصر أو استشهاد. وهل من بديل أمام مسلم يتلو قوله تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ [النساء: 104]، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8].
وإن من عظمة هذه الدعوة المباركة أن يتقدم قادتها الصفوف صدقًا مع ربهم، وقدوةً لإخوانهم، وأن يرِدُوا كرامة الإيمان، وعزة الإسلام بالدم الزكيّ المهراق، وإن لنا لأسوة في إمامنا الشهيد حسن البنا، والشيخ أحمد ياسين؛ ومن تبعهم من إخوانهم الشهداء.
فَلَسنا عَلى الأَعقابِ تَدمى كُلومُنا وَلَكِن عَلى أَقدامِنا تَقطُرُ الدِما
فلا نامت أعين الجبناء، ولا قرَّت نفوس القاعدين، وإنَّ لكل نفس أجلاً لا يُؤخر، فطوبى لمن أحسن صناعة الموتة الكريمة: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 167- 169].
إن الأمر أصبح جليًّا، وقد كان كذلك منذ البداية؛ ولكن - الآن- لا عذر اليوم لجاهل؛ إنها الحرب على الإسلام نفسه، وليس على أفراد -فقط - وإن كانوا قادة عظامًا، ولا على جماعة- وإن كانت مجاهدة صابرة محتسبة- وما عاد أعداء ديننا يخفون ذلك، بعدما ظلوا عقودًا يستترون خلف أكاذيبهم المضللة، ووعودهم الكاذبة، بعدما وجدوا الإسلام يقود الجهاد ضدهم، وكانوا يبذلون كل جهودهم لإبعاده عن ساحة الصراع.
لقد درج العدو الغاصب على استهداف القيادات؛ سعيًا إلى إشاعة اليأس والإحباط في نفوس المسلمين، يريدون أن يقولوا: حتى الشهادة لن تنفعكم، ولن توقفنا؛ فماذا أنتم فاعلون؟ وهم مخطئون في ذلك أشد الخطأ، فإن استمرار العدوان على ذلك النحو لن يحقق اليأس من جدوى الشهادة؛ بل سيحقق اليأس من جدوى الاستسلام المهين، والقعود المذل، والتسوية الموهومة.
إننا نأسى على الحال التي وصل إليها حكّامنا؛ فمنذ الحرب على غزة، ومعركة طوفان الأقصى، وبرغم الجراحات النازفة من كل فلسطين؛ لا نرى ولا نسمع إلا الصمت الرهيب تجاه ما يحدث، وقد كنّا نؤمّل أن يكون للقادة العرب دور في إيقاف الحرب الغاشمة وإيقاف نزيف الدماء والقتل، لكن هيهات هيهات.
إننا ننصح في صدق وإخلاص حكَّام الأمة من عاقبة المضي في ذلك الطريق، ومن الاستمرار في إغماض العين وإغلاق السمع عن حال أمتنا، ونداء جماهيرها وغضب أبنائها. إن أوضاعنا شديدة التفجر والخطر، وإن الهوة بيننا وبين حكامنا تزداد اتساعًا، وذلك نذير شؤم في هذا الوقت العصيب، ولا سبيل أمامهم إلا إرضاء ربهم والأخذ بيد شعوبهم؛ إذ لابد من مصالحة تاريخية يجتمع فيها شمل الأمة وحكامها، وإنْ حدث ذلك، فسيسارع العدو المتغطرس الآن إلى طلب التفاهم.
إن عدونا لا يفهم غير لغة القوة. وعلى القوة وحدها قامت الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى القوة وحدها قام الكيان الصهيوني، والقوة وحدها هي التي أجبرت الصهاينة على الانسحاب الذليل من جنوب لبنان.
وبسبب جنون العظمة وغطرسة القوة تقف أمريكا والصهاينة منَّا هذا الموقف. وما كان للصهاينة أن يتمادوا في عدوانهم الأثيم لولا الدعم الأمريكي - الغربي؛ على الرغم من القرارات الدولية التي اتخذت ردعا لإسرائيل في حربها على غزة؛ سواء من الأمم المتحدة، أو من محكمة العدل الدولية.
فلولا أمريكا ما كان لدولة الصهاينة بقاء، ولولا دعمها ما استباح الصهاينة دماءنا، وليس آخرها دماء الشهيد إسماعيل هنية وإخوانه.
إننا في هذا الظرف العصيب- وبين يدي شهيد جديد من قيادات العمل الإسلامي الوطني هو الأخ المجاهد إسماعيل هنية لنوجه حديثنا إلى علماء أمتنا، وهم ورثة الأنبياء، والقائمون على الحق وأعلام الهدى: إنَّ الأمة أشد ما تكون احتياجًا إليكم؛ تبصيرًا لها بمعالم الطريق، وتثبيتا على مشاق الجهاد، وتحذيرًا من خداع العدو، وبثًّا للأمل بقرب النصر، وعظيم المثوبة، وإنَّ الله سائلنا جميعًا عن ذلك.. وإنَّ واجبنا تجاه شعوبنا ينبغي ألا يلفتنا عن واجبنا تجاه حكامنا؛ فالدين النصيحة، وإننا لنشفق عليهم من عظيم التبعة أمام الله، ثم أمام التاريخ الذي لا يرحم، وإن لكل شهيد ولكل قطرة دم مهراق حقّا في رقابهم.
وإن شعوبنا المؤمنة الصابرة التي حيل بينها وبين فرض الجهاد- وهو فرض عين على كل مسلم إن استبيح وطنه ودينه- لمَدعوَّة إلى إبراء الذمة أمام الله بدعم إخوانهم المجاهدين بكل ما يملكون، وتوضيح قضاياهم، وبالثبات على الحق المرِّ، والاستمساك بالدين القويم الذي يستهدفه أعداؤنا؛ لأنهم يعلمون قدر عظمته، وعبقرية قدرته على البناء والمواجهة وصنع الرجال، وقيادة الأمم وإسعاد العالم.
ولتكن دماء أخينا الشهيد (أبو العبد)، وليكن جسده الممزق وروحه الطاهرة زادًا لنا على الطريق حتى نلقى الله، ونموت على ما مات عليه الصالحون، غير مغيرين ولا مبدلين، ولا خزايا ولا مفتونين إن شاء الله. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].
وفي ظل ما حدث، فإننا نذكِّر بما يأتي:
1. إن استمرار هذه المجزرة التي تتم في غزة والضفة واحتلال فلسطين والغطرسة اليهودية في المنطقة أقحمت الجميع في معركة تحرير كبرى تفضي للتحرر من كل أشكال الاستعباد والتبعية والاحتلال بكل أشكاله العسكرية، والاقتصادية، والسياسية والاجتماعية.
2. إن نهوض الأمة يستلزم التخلص من الاحتلال بكل أشكاله وأولها التخلص من هذا الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين.
3. إن هذا التحدي يستلزم التمسك بتعاليم الإسلام وقيمه، وفي الذروة منه الجهاد وبناء الإنسان المجاهد في سبيل الله عز وجل.
4. إن وحدة الأمة فريضة شرعية، وليست ترفاً يتلاعب به أصحاب الأهواء والشهوات من ضعاف النفوس والإرادات، والعمل على تحقيق هذه الوحدة للأمة؛ فهو كذلك فريضة الشعوب قبل الحكام.
5. إن الأمة الإسلامية تمد يدها للتعاون والتنسيق وتوحيد الجهود مع كل دول وهيئات العالم الداعمة لحرية الإنسان وإنهاء غطرسة الطغاة؛ حتى يعمَّ السلام والأمن الذي تتوق إليه هذه البشرية المعذبة.
وأخيراً: تدعو الجماعة كل مسلم، وكل حر في العالم إلى:
1. توطين أنفسنا على واقع جديد فرض نفسه، وترسمه ممارسات الكيان الصهيوني في دولنا العربية وفلسطين المحتلة.
2. إظهار الغضب لاغتيال قادة المقاومة ودعم وإسناد الشعب الفلسطيني بكل وسائل الدعم الممكنة لنيل حقوقه المشروعة.
3. الدعوة إلى صلاة الغائب على روح الشهيد إسماعيل هنية عقب صلاة الجمعة الموافق 2 أغسطس وتخصيص خطبة الجمعة 2 أغسطس حول الشهادة ونصرة شعبنا الفلسطيني عامة وأهل غزة خاصة.
4. جعل يوم السبت 3 أغسطس يوماً عالمياً لدعم ومساندة القضية الفلسطينية كما دعا بذلك الشهيد إسماعيل هنية قبل استشهاده.
5. استمرار المشاركة في حملات التضامن والمسيرات والاعتصامات أمام سفارات العدو في جميع أنحاء العالم، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر السردية الفلسطينية.
6. التواصل مع النواب والممثلين المحليين للضغط من أجل تبني مواقف داعمة لفلسطين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والله أكبر ولله الحمد
الدكتور صلاح عبد الحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون"
الخميس 26 محرم 1446هـ؛ الموافق 1 أغسطس 2024م