كلمة الإخوان في ملتقى شباب العالم الإسلامي
في ملتقى شباب العالم الإسلامي الذي يعقد بمدينة إسطنبول التركية، في الفترة من 18 إلى 20 أكتوبر 2024 م . ألقى كلمة جماعة الإخوان المسلمين، -في اليوم الأول من الملتقى- الأستاذ صهيب عبدالمقصود، عضو الهيئة الإدارية العليا والمتحدث الإعلامي باسم الجماعة، ممثلاً عن الدكتور صلاح عبدالحق، القائم بأعمال المرشد العام.
ويعقد الملتقى هذه العام تحت شعار (من طوفان الأقصى إلى طوفان الأمة). حضر الملتقى أكثر من ١٠٠ منظمة شبابية وطلابية دولية ممثلين لأكثر من ٦٥ دولة. ومئات المشاركين. وحشد من قيادات العمل الإسلامي حول العالم، وعلى رأسهم الدكتور صلاح عبدالحق القائم بأعمال فضيلة المرشد العام للجماعة.
نص الكلمة:
الحمدُ للهِ القائلِ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) [الحج: آية 39،40]
والصلاةُ والسلامُ على إمامِ المجاهدين، القائدِ القدوة، والنبيِّ الأُسوة، الذي أخبرنا: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِّنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَن خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَاكَ". قالوا: "يا رسولَ اللهِ، وأينَ هم؟" قال عليه الصلاة والسلام: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
الإخوةُ الكرامُ، والأخواتُ الفضلياتُ، قادة المؤسساتِ والمنظماتِ الطلابيةِ والعمل الشبابي حولَ العالمِ، ورأسُ مالِ هذه الأمة...
منَ الناسِ من يأتي إلى هذه الدنيا ثم يذهبُ، لا يتركُ أثرًا، ولا يبقى له ذكرًا، ومنهم من يؤثرُ أن يحيا في سبيل اللهِ مجاهدًا، فيقضي في أجوافِ طيرٍ خُضرٍ تسبحُ في الجنَّةِ حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديلَ معلَّقةٍ تحت العرشِ، تليقُ بهم الشهادةُ ويليقُون لها، يُقدِّمون أرواحَهم وفلذات أكبادِهم، شاهدين أنَّ دينَ اللهِ وتحريرَ أوطانِهم أغلى من حياتِهم، أدوا واجبَهم فيما أقامتهم فيه أقدارُهم أبطالًا مجاهدين، عُلوٌّ في الحياة وفي المماتِ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنِ اسْتَعْلَى على هذه العصابةِ النازية الغاشمة؛ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: آية 23]
الإخوةُ الكرامُ، والأخواتُ الفضلياتُ، عامٌ مضى على انطلاقِ معركةِ طوفانِ الأقصى على أرضِ فلسطينَ المباركة، سطرَ فيه أهلُنا في غزةَ - وما يزالون - أنصعَ الصفحاتِ في تاريخِ العزةِ الإنسانية التي تأبى الخنوعَ والذلَّ، وقدموا - وما يزالون - خيرةَ قادتِهم وأبنائِهم، بل قدَّموا كلَّ ما يملكونَ من متاعِ الدنيا؛ حسبة للهِ سبحانه وتعالى، وحملوا عن أمتِنا من التكاليفِ - كدفعِ الصائل - ما عجزت عنه كلُّ الأنظمةِ والجيوش العربيةِ والإسلاميةِ منذ احتلال فلسطينَ وحتى يومِنا الحاضر. وقد توسَّع العدوان الصهيوني الغاشم في إبادته الجماعية؛ ليطال أهلنا في لبنان الحبيب، كاشفًا عن نواياه التوسعية. فغزة تدافع عن مصر وما وراءها، والضفة الغربية تضحّي في سبيل حماية الأردن وما يتلوه. فمن السذاجة أن يظن أحد أن هذا الكيان المحتل سيتوقف عند حدٍّ معين إذا أتيحت له الفرصة، إذ إن هدفه السيطرة على كل حواضر عالمنا العربي والإسلامي.
الإخوةُ الكرام، والأخواتُ الفضليات: ونحن ننظر إلى هذا المشهدِ المهيب، من استعلاءِ المقاومةِ الباسلة على العدو، بما لديه من عُدَّةٍ وعتادٍ وخطوطِ إمدادٍ مفتوحةٍ عالميًا وإقليميًا، وبصورِ إيلامِ المحتل وإذاقتِه اللكماتِ تلوَ اللكمات؛ لا ينبغي لنا أن نغفل عن ألم الحاضنةِ الشعبية، بصمودِها الذي يُعلِّمُ الأجيالَ معاني الثبات والصمود. أشفقُ على نفسي وإخواني خارج غزةَ من سؤالِ اللهِ تعالى لنا يومَ القيامةِ عن واجبِ النصرة؛ هل قمنا بحقِّه أم كنَّا من المقصرين؟
اليوم، أيها الإخوةُ والأخواتُ، انطلاقًا من واجبِ التواصي بالحقِّ؛ أتوجهُ إليكم بهذه الرسالة، تذكيرًا لنفسي ولإخواني بأننا لا يجوزُ أن نبقى على واقعِنا الرتيبِ في مواكبةِ «طوفان الأقصى»، مكتفينَ بالحدِّ الأدنى من مناصرتِهم المعنويةِ والمالية، بل أخشى أن يكونَ الكثيرُ منا قد أَلِفَ المشاهدَ اليوميةَ للمجازرِ؛ فلم تعد تحركُ فيهم مشاعرَ النخوةِ وواجبَ النصرة. في حين نجد في المقلبِ الآخر أنَّ أهلَ الباطلِ - ممن يناصرونَ الكيانَ المحتلَّ - يزيدونَ من دعمِهم له وإسناده بكلِّ أسبابِ القوةِ من مالٍ وسلاحٍ وحتى رجالٍ، حتى يُطيلوا من أمدِ بقائه، فهل نحن أقلُّ نصرةً لإخوانِنا - ونحن أهلُ الحقِّ - من نصرةِ أهل الباطلِ لبعضهم بعضًا؟
واجبُنا الشرعيُّ والأخلاقيُّ يحتِّمُ علينا اليومَ أن نتعاهدَ على تصعيدِ مستوى المشاركةِ بكافةِ الخياراتِ الممكنة، وتحمُّلِ قسطَنا من أعباءِ هذه المعركة؛ ليكونَ المشهدُ في عامنا هذا أفضلَ وأقوى مما كان عليه في العامِ الأول، ولعلَّنا نحولُها إلى معركةِ طوفانِ الأمةِ الهادرِ الذي لا يتوقف؛ حتى يُؤخذَ الحقُّ لأهلِه كاملًا غيرَ منقوص.(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: آية 4،5]
الإخوةُ الكرامُ، والأخواتُ الفضلياتُ... أختم كلمتي إليكم برسالةٍ خطَّها الإمامُ المؤسسُ، حسن البنا، لجموعِ إخوانِه حولَ العالم في عام ألفٍ وتسعمائةٍ وستةٍ وثلاثين، قال فيها:
"إخوانُكم الفلسطينيون الآن في الميدانِ يَجُوعُونَ وَيَجْهَدُونَ وَيُخْرَجُونَ وَيُقْتَلُونَ وَيُسْجَنُونَ في سَبِيلِ الله، وفي سبيلِ البلدِ المقدس، وهم إلى الآن في أشرفِ المواقفِ يقومون بأمجدِ الأعمال، ويبدون من ضروبِ البسالةِ ما هو فوقَ الاحتمال، فهم قد أعذروا إلى اللهِ وإلى التاريخ، فإذا ضعفت هذه الحركة أو وَهَنت فأنتم المسؤولون عن هذا الضعفِ وهذا الوهن، وهي جريرةٌ يُؤاخِذُ بها اللهُ أشدَّ المؤاخذة، ويحصيها التاريخُ في أسْودِ صحائفِه، فانتهزوا الفرصةَ وقوموا بواجبِكم إلى جانبِ إخوانِكم، واللهُ معكم ولن يتركم أعمالَكم."
الإخوة والأخوات، إن كلمات وبرامج هذا الملتقى يجب أن تهتف بالعمل في بلادنا، وفي كلِّ بقعة من هذا العالم.. لنعمل اليوم فقد نعجز عن العمل غدًا، فالمستقبل ومعركة التحرير قد بدأت، وإِنَّ غدًا لناظره قريبٌ، واللهُ أكبر، وللهِ الحمد".
صهيب عبدالمقصود
المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمون