الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

مقالات وآراء

باب للفكر والرأى والنقاشات الحرة. ينشر الآراء منسوبة لأصحابها...

أنس حبيب ومحاكاة الحصار.. فماذا لو تحرك، في كل بلد، أبطال كأنس؟!

أنس حبيب ومحاكاة الحصار.. فماذا لو تحرك، في كل بلد، أبطال كأنس؟!

إنه أنس حبيب، الشاب المصري المقدام المقيم في هولندا.
أكتب عن أنس "الحالة"، لا عن أنس "الشخص"، مع التسليم بأن الشخص، بما يملك من ملكات ومواهب، هو من يصنع الحالة، وقبل ذلك وبعده، توفيق الله له:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69]. وقد جاهد أنس وأحسن.

البداية
بعد أن توقف الحراك الشعبي في الأردن، إثر إعلان النظام الأردني جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، بات المغرب البلد العربي الوحيد الذي ظل شعبه يخرج بأعداد غفيرة نصرة لغزة، وتنديدًا بالمجاعة المفروضة على شعبها الأبي الكريم من جانب الاحتلال الصهيوني النازي الخسيس، وحلفائه المناكيد: أمريكا ترامب، نظام الانقلاب في مصر، والنظام الأردني، مع تواطؤ وصمت من أنظمة الإمارات والسعودية والكويت.

ولأول مرة، شعرت بالغضب حين رأيت المظاهرة المغربية الأخيرة الحاشدة!
حراك مشكور بلا شك، لكن الواقع أثبت عدم جدواه؛ فحكومة المغرب لم تتوقف عن تقديم التسهيلات للسفن المحملة بالأسلحة المتجهة إلى الكيان الصهيوني، ولم تمتنع عن استقبال مجرمي الحرب الصهاينة والاحتفاء بهم، ولا الهتافات والخطب أوصلت حفنة طحين أو علبة دواء لأهل غزة المحاصرين الجائعين المصابين بكل صنوف الجراح.
فكتبت على منصة (X):
"شكر الله لكم جميعاً.. الميادين والشوارع ليست المكان الصحيح لهذه الحشود.. المكان الصحيح هناك، حول سفارات: أمريكا، إسرائيل، مصر، الأردن، الإمارات، السعودية.
حصار هذه السفارات، والاعتصام حولها، وإيقافها عن العمل، سيكون له ما بعده".

وأتبعتها بتغريدة أخرى:"كفاية تظاهر.. كفاية.. كفاية..
حان الآن وقت حصار سفارات الكيان الصهيوني، وأمريكا، ومصر، والأردن، والإمارات، والسعودية، وتعطيل العمل بها تماماً. ومن استطاع أن يزيد على الحصار فليفعل، مأجورًا مشكورًاً، حتى فتح معبر رفح، ومعابر فلسطين المحتلة مع غزة".

وقد جاءت هاتان التغريدتان بعد نداء أطلقته في 18 يوليو: "نداء إلى العرب والمسلمين وكل أصحاب الضمائر الحية حول العالم!
وقفًا لحرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني بسلاح الجوع على أهل غزة العزل، فإن واجب الوقت هو محاصرة سفارات ما تسمى إسرائيل، وكذلك سفارات أمريكا، الشريك الرئيس في هذه الإبادة.
أقول حصارًا، لا تظاهرًا وأنتم أدرى بما يمكنكم فعله".

ولم يذهب ندائي سدى.. فقد استجاب واحد فقط من نصف مليار عربي، وملياري مسلم.
لكنه رجل بألف رجل.. فعل ما يلزمه ألف رجل للقيام به.. وشغل منصات التواصل الاجتماعي.
وهنا نأتي إلى لب الموضوع، وزبدة المقال:

(إبداع بلا حدود)
لعلك لاحظت، عزيزي القارئ، أني لم أشر في تغريداتي، ولو تلميحًا إلى آليات تنفيذ حصار السفارات.. فهذا أمر متروك لمن انتدب نفسه للقيام به، كلٌّ حسب بيئته وظروفه.
وهنا تجلت عبقرية أنس وتوهج إبداعه، فصنع بمفرده الحالة التي كنت أنشدها، وأحدث الأثر الذي هز وأشعل منصات التواصل.

خرج أنس من بيته بصحبة شقيقه، الذي تولى تصوير الحدث.. وساقه وعيه السياسي إلى السفارة المصرية، لا غيرها، لأن السؤال البدهي الذي كان سيواجهه: لماذا أنت هنا؟ لماذا لا تحاصر سفارة بلدك أولاً؟

أمام باب السفارة المصرية، المغتصبة من قِبل نظام (ياسر جلال) بدأ أنس عرضه الفريد، على الهواء مباشرة..
وضع قفلاً على باب السفارة.. أي لا دخول ولا خروج.. تماماً كحال معبر رفح.

وجد ممثلو النظام أنفسهم "محبوسين" داخل مبنى السفارة.. تمامًا كأهل غزة.

لكن (أنسًا) إنسان كريم، يعرف حقوق الإنسان ويؤديها دون تكلف.. لم يترك موظفي السفارة بلا طعام.. أدخل لهم الطعام من بين قضبان الباب، في إشارة رمزية إلى نذالة النظام الذي يحاصر غزة.
ونثر حفنة من الطحين أمام باب السفارة، في إشارة إلى ما تبقى من طحين يجمعه أطفال غزة من التراب لتأكل منه عائلاتهم!

استشاط ممثلو النظام غضباً.. فالأنظمة لا يؤلمها شيء كالمساس بما تمثله "سيادتها".
وانضم إليهم بعض المراجعين من أنصارهم، الذين لم يتمكنوا من دخول السفارة، وتحول بعضهم إلى التحرش اللفظي بأنس وأخيه.
لكن الشقيقين لم يسلما بالعدوان، وردّا الصاع صاعين، بالأسلوب ذاته.

دام حصار السفارة ساعتين، حتى جاءت الشرطة، وقام أحدهم بقطع القفل بمنشار كهربائي، في حين كان أنس يتابع المشهد، وإلى جواره حشد من المارة.
وخلال ذلك، دار حوار متقطع بين أنس ورجال الشرطة، شرح لهم خلاله دوافعه، فاستمعوا له باحترام، وتعاملوا معه بلطف، ويُخيّل إليّ أنهم قدّروه وتعاطفوا معه ومع غزة.
وعلى مدى الساعتين، لم يتوقف أنس عن شرح مأساة "إخوته" في غزة.

التعليقات على الحدث أظهرت إعجاب مئات الآلاف، وربما الملايين، بما فعله أنس.
أثنوا عليه، ودعوا له، واعتبروه بطلاً، وهو كذلك.

فماذا لو تحرك، في كل بلد، أبطال كأنس، وذهب كل منهم إلى سفارة من السفارات وأغلقها؟
بضع عشرات من أصحاب الإرادة والعزيمة والإبداع، يمكن أن يصنعوا حدثا عالميا مدويا..
لا حاجة إلى آلاف يهتفون دون جدوى.

فمن لها كما كان لها أنس؟