لكل الناس: بيان ثابت رغم المتغيرات
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، بإحسانٍ إلى يوم الدين.وبعد؛ ففي خلالِ هذه الأيام يتعرَّض الإخوانُ المسلمون لحملةٍ أمنيةٍ شديدةٍ طالت- وتطول كل حين- الرموزَ ومواردَ الأرزاق، ويصاحب هذه الحملة حملاتٌ إعلاميةٌ موازيةٌ تسعى إلى قلبِ الحقائق وتشويه الواقع في محاولة لضرب مصداقية دور الإخوان وإخراجه عن طبيعته الإصلاحية السلمية البنَّاءة المتسقة مع الدستور والقانون.
ويرى الإخوان المسلمون في هذه المرحلة ضرورة التذكير ببيانهم للناس- البيان القديم في مبناه والمتجدد في ثوابت فحواه- ليتأكد لكل متابعٍ وراصدٍ وباحث حقيقة رؤى الإخوان، وليجدد أبناء هذه الدعوة فهمهم لتناول جماعتهم لمفردات القضايا التي تُحيط وتتفاعل بواقعنا.
وفيما يلي نص البيان الذي صدر عن الجماعةِ بتاريخ 30/4/1995م يجتاز العالم هذه الأيام مرحلة غير مسبوقة في تاريخه، تتمثل في السرعة الكبيرة التي تحدث بها التغيرات الكبرى في الأفكار والنظم والقيم، وفي موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، والمسلمون وهم جزءٌ من هذا العالم لا يقفون بعيدًا عن ذلك كله، ولا يملكون أن يديروا أمورهم كما لو كانوا أصحاب جزيرةٍ نائيةٍ يستطيع أصحابها أن يعفوا أنفسهم من تبعاتِ هذه المرحلة التاريخية ومن مخاطرها وتحدياتها.
وإنَّ من أخطرِ الظواهر التي صاحبت، ولا تزال تصاحب هذه المرحلة التاريخية عن ملتقى مسارات الإنسانية المختلفة، اختلاف المفاهيم وتشابك الخيوط والخطوط وذيوع الانطباعات الخاطئة عن الآخرين، وكلها أمورٌ لَعِبَ الإعلامُ العالمي في خلقها وتزكيتها دورًا بالغ الخطورة جسيم الضرر.
وقد أصاب المسلمين من ذلك كله سهامٌ طائشةٌ مسمومةٌ صوَّرتهم كما لو كانوا شعوبًا بدائيةً همجيةً مجردةً من الحسِّ الإنساني، والوعي العقلي، والتجربة العملية لسنةِ التطور والتقدم، منكرةً لحقوقِ الآخرين في الحياةِ وفي الحرية وفي اختلاف الرأي وتباين النظر.
حتى أوشكت الدنيا أن تُسيء الظنَّ بكل ما هو إسلامي وكل مَن هو مسلم.
ومن الأمانة أن نعترف- جميعًا- بأنَّ جزءًا من المسئولية من هذا الخلطِ الظالم يقع على عاتقِ المسلمين لما يُقدمه بعضنا من أفكار ورؤى، وما يمارسونه من مواقف عملية تشهد لهذا الظن السيئ وتفتح أبواب التوجس المشروع وغير المشروع وتنسب إلى الإسلام- وسط ذلك كله- أمورًا لا أصلَ لها فيه، ولا شاهدَ لها من مبادئه وقواعده ونصوصه، فضلاً عن قيمه العليا ومقاصده الكبرى.
وإذا كان الإخوان المسلمون قد رأوا أنَّ من حقِّ الناس عليهم وحقهم على أنفسهم أن يعلنوا- بنبرةٍ عاليةٍ وصوتٍ جهيرٍ وحسمٍ لا تردد فيه- عن موقفهم الواضح من عددٍ من القضايا الكبرى التي هي موضع الحوار القائم بين أصحاب الحضارات المختلفة.
فأصدروا في العام الماضي بياناتٍ تُحدد موقفهم الصريح من قضايا الشورى والتعددية السياسية وحقوق المرأة.
وإذا كانت هذه البيانات فيما نعلم قد لقيت قبولاً عامًّا لدى المنصفين والباحثين عن الحقيقة؛ الذين يُسعدهم أن يلتقي الناسُ جميعًا على الخيرِ والعدلِ والحق.
فإنَّ استمرارَ محاولاتِ التشكيك وسوء الظن المتعمد، واختلاق الأقاويل والأراجيف؛ إضرارًا بالتيارِ الحضاري الإسلامي في عمومه وردًّا على مَن يُحاربونه ويحرصون على إزاحته من الطريق، يجعلنا نعود من جديدٍ لنعلن في وضوحٍ كاملٍ موقفنا من القضايا الكبرى التي تشغل أمتنا وتشغل الناس من حولنا.
وأول هذه القضايا: قضية الموقف العام من الناس جميعًا مسلمين وغير مسلمين وهنا نبادر فنقول إنَّ موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرَّد موقفٍ انتقالي واختياري قائم على الاستحسان، وإنما هو موقفٌ منتسبٌ إلى الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره.
وعلى رأسها كتاب الله تعالى، والسنة الصحيحة الثابتة عن نبيه- صلى الله عليه وسلم-، والإخوان المسلمون يرون الناسَ جميعًا حملةَ خير، مؤهلين لحملِ الأمانة والاستقامةِ على طريقِ الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفيرِ أحدٍ إنما يقبلون من الناسِ ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفيرِ مسلمٍ مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يُؤتي النفوسَ تقواها، ويُحاسبها على مسعاها.
ونحن الإخوان نقول دائمًا إننا دعاة ولسنا قضاة؛ ولذا لا نُفكِّر ساعةً من زمانٍ في إكراه أحدٍ على غير معتقده أو ما يُدين به، ونحن نتلو قوله تعالى ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: من الآية 256).
وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقفٌ واضحٌ وقديمٌ ومعروف.
لهم ما لنا وعليهم ما علينا وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم والتعاون معهم على الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخفَّ بها أو يتهاون في أخذِ نفسه بأحكامها، ومَن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل.
إن ساسةَ العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار "التعددية" وضرورة التسليم باختلافِ رؤى الناس ومذاهبهم في الفكر والعمل، والإسلام، منذ بدأ الوحي يتنزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعتبر اختلاف الناس حقيقةً كونيةً وإنسانية، ويُقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي على أساسِ هذا الاختلاف والتنوع ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: من الآية13)، والتعدديةُ في منطقِ الإسلام تقتضي الاعترافَ بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري على يديه من حقٍّ وخيرٍ ومصلحة؛ ذلك أنَّ "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها" ؛ لذلك يظلم الإسلامَ والمسلمين أشدَّ الظلم مَن يُصوِّرهم جماعةً مغلقةً منحازةً وراء ستارٍ يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه.
والإخوان المسلمون يؤكدون- من جديد- التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد.
ويُذكِّرون أتباعهم والآخذين عنهم بأنَّ على كلِّ واحدٍ منهم أن يكون- فيما يقول ويعقل- عنوانًا صادقًا على هذا المنهج، يألف ويُؤلف، ويفتح عقله وقلبه للناس جميعًا.
لا يستكبر على أحد، ولا يمن على أحد, ولا يضيق بأحد.
وأن تكون يده مبسوطةً إلى الجميعِ بالخيرِ والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام.
قولاً وعملاً.
فبهذا كان رسولنا- صلى الله عليه وسلم- إمامَ رحمةٍ مهداة إلى العالمين.
وبهذا وحده يصدق الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم وإلى الحقِّ الذي جاء به.
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ﴾ (الزخرف: 44).
القضية الثانية: قضية الدين والسياسة ومنهج الإسلام الذي يلتزم به الإخوان المسلمون أن سياسةَ الناس بالعدل والحق والرحمة جزء من رسالة الإسلام، وأن إقامةَ شرائع الإسلام فريضة من فرائضه.
ولكن الحكامَ- في نظر الإسلام- بشر من البشر، ليست لهم على الناس سلطة دينية بمقتضى حق إلهي، وإنما ترجع شرعية الحكم في مجتمع المسلمين إلى قيامه على رضا الناس واختيارهم، وإلى إفساحه للشعوب ليكون لها في الشئون العامة رأي ومشاركة في تقرير الأمور، وللناس أن يستحدثوا بعد ذلك من النظم والصيغ والأساليب في تحقيق هذا المبدأ ما يناسب أحوالهم وما لا بد أن يتغير ويختلف باختلافِ الأزمنة والأمكنة وأحوال الناس، وإذا كان للشورى معناها الخاص في نظر الإسلام، فإنها تلتقي في الجوهر مع النظام الديمقراطي الذي يضع زمام الأمور في يد أغلبية الناس دون أن يحيف بحقِّ الأقليات على اختلافها في أن يكون لها رأي وموقف آخران، وأن يكون لها حق مشروع في الدفاع عن هذا الرأي والدعوة إلى ذلك الموقف.
ومن هنا يرى الإخوان المسلمون في المعارضة السياسية المنظمة عاصمًا من استبداد الأغلبية وطغيانها، وذلك ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾ (العلق)؛ وبذلك تكون المعارضة السياسية المنظمة جزءًا من البناء السياسي، وليست خروجًا عليه أو تهديدًا لاستقراره ووحدته؛ وبذلك أيضًا تكون سلامة الانتخابات السياسية وإجراؤها في حرية تامة ونزاهة كاملة، تتمتع بهما جميع القوى وضمانًا حقيقيًّا لأمن المجتمع واستقراره، وعاصمًا للأمةِ من خروج بعض فئاتها على نظامها، واتخاذها للعمل السياسي سبيلاً تهز بها أمن المجتمع واستقراره.
وهما شرطان لا غنى عنهما لتوجيه جهد الأمة إلى البناء، ومضاعفة الإنتاج وتعظيم معدلات التنمية.
القضية الثالثة: قضية العمل السلمي ورفض العنف واستنكار الإرهاب ولقد أعلن الإخوان المسلمون عشرات المرات خلال السنوات الماضية أنهم يخوضون الحياة السياسية ملتزمين بالوسائل الشرعية والأساليب السلمية وحدها مسلحين بالكلمة الحرة الصادقة، والبذل السخي في جميع ميادين العمل الاجتماعي، مؤمنين بأنَّ ضميرَ الأمة ووعي أبنائها هما في نهاية الأمر الحكم العادل بين التيارات الفكرية والسياسية التي تتنافس تنافسًا شريفًا في ظلِّ الدستور والقانون، وهم لذلك يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الانقلابي الذي يمزق وحدة الأمة، والذي قد يتيح لأصحابه فرصة القفز على الحقائق السياسية والمجتمعية، ولكنه لا يتيح لهم أبدًا فرصة التوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة، كما أنه يمثل شرخًا هائلاً في جدارِ الاستقرارِ السياسي، وانقضاضًا غير مقبول على الشرعية الحقيقية في المجتمع.
وإذا كان جو الكبت والقلق والاضطراب الذي يسيطر على الأمة وقد ورَّط فريقًا من أبنائها في ممارسة إرهابية روَّعت الأبرياء، وهزَّت أمن البلاد، وهددت مسيرتها الاقتصادية والسياسية فإنَّ الإخوان المسلمين يعلنون- في غير تردد ولا مداراة- أنهم برءاء من شتى أشكال ومصادر العنف، مستنكرون لشتى أشكال ومصادر الإرهاب، وأنَّ الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون على سفكه شركاء في الإثم واقعون في المعصية، وأنهم مطالبون في حزمٍ وبغيرِ إبطاءٍ أن يفيئوا إلى الحقِّ، فإن المسلم مَن سلم الناسُ من لسانه ويده،، وليذكروا- في غمرةِ ما هم فيه- وصيةِ الرسول صلى الله عليه وسلم في حجةِ وداعه "أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى يوم القيامة كحرمةِ يومكم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا" ، أما الذين يخلطون الأوراق عامدين، ويتهمون الإخوان المسلمين ظالمين، بالمشاركة في هذا العنف والتورط في ذلك الإرهاب متعللين في ذلك بإصرارِ الإخوان على مطالبةِ الحكومة بألا تقابل العنف بالعنف، وأن تلتزم بأحكام القانون والقضاء، وأن تستوعب دراستها ومعالجتها لظاهرة العنف جميع الأسباب والملابسات ولا تكتفي بالمواجهة الأمنية- فإنَّ ادعاءاتهم مردودة عليهم بسجل الإخوان الناصع كرابعةِ النهار على امتدادِ سنين طويلة شارك الإخوان خلال بعضها في المجالس النيابية والانتخابات التشريعية، واستبعدوا خلال بعضها الآخر عن تلك المشاركة، ولكنهم ظلوا على الدوام ملتزمين بأحكام الدستور والقانون حريصين على أن تظل الكلمة الحرة الصادقة سلاحهم الذي لا سلاح غيره يجاهدون به في سبيل الله ﴿وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ (المائدة: من الآية54) والأمر في ذلك كله ليس أمر سياسة أو مناورة، ولكنه أمر دين وعقيدة، يلقى الإخوان المسلمون عليهما ربهم ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ (الشعراء: 88-89).
القضية الرابعة: قضية حقوق الإنسان ومن المفارقات المحزنة أن توجه إلى المسلمين تهمة الاستخفاف بحقوقِ الإنسان والجور عليها وتهديدها في عصرٍ يتعرَّض فيه المسلمون شعوبًا وحكوماتٍ وجماعاتٍ وأفرادًا لألوانٍ غير مسبوقة من العدوان على أبسطِ حقوقهم وأيسر حرياتهم، وهم يرون الحكومات والساسة في دول العالم الكبرى تكيل بمكيالين وتزن الأمور والمواقف بميزانين.
ميزان يتحرَّى العدل والإنصاف والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان حين تتصل الأمور بغير المسلمين.
وميزان يظلم ويجور ويبرر العدوان حين تتصل الأمور بشعبٍ من شعوب المسلمين أو حكومة من حكوماتهم.
وما أبناء البوسنة والهرسك، ومأساة الشيشان عنَّا ببعيد.
ولعل من القول المعاد أن نذكر أنفسنا ونذكر العالم معنا بأن الإسلام- كما نعلم- قد كان ولا يزال النموذج الفكري والسياسي الوحيد الذي كرم الإنسان والإنسانية مرتفعًا بهذا التكريم فوق اختلافِ الألسنة والألوان والأجناس، وأنه منذ اللحظة الأولى لمجيئه قد عصم الدماء والحرمات والأموال والأعراض وجعلها حرامًا، جاعلاً من الالتزام المطلق بهذه الحرمات فريضة دينية وشعيرة إسلامية لا يسقطها عن المسلمين إخلال الآخرين ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8)، وإذا كان بعض المسلمين هنا أو هناك الآن أو في بعض ما مضى من الزمان لم يضعوا هذه الفريضة الإسلامية موضعها الصحيح، وقصروا في أدائها للناس فإن ممارسات هؤلاء لا يجوز أن تحسب على الإسلام أو تنتسب إليه فقد تعلمنا أن نعرف الرجال بالحقِّ ولا نعرف الحق بالرجال، ولكن بقى- هنا كذلك- أن نقول لأنفسنا ولكل الآخذين عنا وللدنيا من حولنا أننا في مقدمةِ ركب الداعين إلى احترام حقوق الإنسان وتأمين تلك الحقوق للناس جميعًا وتيسير سبل ممارسة الحرية في إطار النظم الأخلاقية والقانونية إيمانًا بأنَّ حريةَ الإنسان هي سبيله إلى كل خير، وإلى كل نهضة وكل إبداع.
إنَّ العدوانَ على الحقوق والحريات تحت أي شعارٍ ولو كان شعار الإسلام نفسه يمتهن إنسانية الإنسان، ويرده إلى مقام دون المقام الذي وضعه فيه الله ويحول بين طاقاته ومواهبه وبين النضج والازدهار.
ولكننا، ونحن نعلن هذا كله نُسجِّل أمام الضمير العالمي، أنَّ المظالمَ الكبرى التي يشهدها هذا العصر إنما تقع على المسلمين ولا تقع من المسلمين، وأنَّ على العقلاء والمؤمنين في كل مكان أن يرفعوا أصواتهم بالدعوة إلى المساواة في التمتع بالحرية وحقوق الإنسان، فهذه المساواة هي الطريق الحقيقي إلى الإسلام الدولي والاجتماعي وإلى نظامٍ عالمي جديد يُقاوم الظلم والأذى والعدوان.
هذا كتابنا في يميننا وهذه شهادتنا بالحقِّ على أنفسنا، وهذه دعوتنا بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة إلى صفحةٍ جديدةٍ في علاقاتِ الناس والشعوب، تنتزع بها جذور الشر ويفيء بها الجميع إلى ساحةِ العدل والحرية والسلام .
﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 89) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ القاهرة في: 29 من ذي الحجة 1427هـ= 18 من يناير 2007م