السنة والشيعة.. بين أُخوَّة الإسلام ومخططات الأعداء!!
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد.الإسلام دينٌ يربط أتباعَه ببعضهم من نِيَاطِ قلوبهم، فهم جميعًا إخوةٌ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية10).
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ولا يحقره" ، كيف لا وهم يعبدون إلهًا واحدًا، ويتبعون نبيًّا واحدًا؟ ويعتقدون عقيدةً واحدةً، ويتوجهون إلى قبلةٍ واحدةٍ، ويؤدون شعائرَ واحدةً، ويتخلَّقون بأخلاق واحدة، وتجمعهم مشاعرُ مشترَكة؟!! ولذلك حضَّهم القرآن الكريم على الاعتصام بحبل الله وحذَّرَهم من التفرق والتنازع ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103).
﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: من الآية 46)، ولقد كانت هذه الأسباب هي عناصر القوة التي حفظت سيادة المسلمين زمنًا طويلاً.
والإسلام دينٌ واقعيٌّ، يعلم اختلافَ مداركِ الناسِ وطبائعِهم، وتفاوتَ ثقافتِهم ومعارفِهم، ومِن ثمَّ فقد اتسع صدرُه لاجتهاداتهم، وأقرَّ بمذاهبهم الفكرية والفقهية ما دامت ملتزِمةً بالأصول والثوابت، مُحترِمةً للعقائد والمبادئ.
فنشأت مذاهبُ كثيرةٌ، كان من أكبرها في عالم الفكر أهلُ السنة والجماعة والشيعةُ، ولقد تعايش المذهبان الإسلاميان في كثير من الدول تعايُش الأُخوَّة في الإسلام، بل تَعايَشَا داخلَ البيت الواحد، عن طريق الزواج بين السنِّي والشيعيَّة، والعكس، ونشأ الأبناء في جوِّ المودة والتراحم بين الزوجَين.
ومنذ وَطِئَت أقدامُ المحتل الأجنبي بلادَ المسلمين وهو يبحث عن أسبابِ الفُرقة، وتوهينِ عَرَى الوحدة، والطَّرقِ على نقاط الخلاف، وبَعْثِ مشاعر الكراهية بين الإِخوَة في الدين وفي الوطن، رافعًا شعارَه الشيطاني (فرِّق تسُد)، فبدأ بتقسيم العالم الإسلامي إلى دول ودويلات، وخَلَق بين كل دولتين متجاورتين مشكلةَ حدود، وضخَّم من مشاعر العُزلة والانقسام بين أبناء الوطن الواحد؛ اعتمادًا على الاختلافات العِرقية والدينية والمذهبية.
وحينما أُجبر على الرحيل لم يخرج حتى زرع الكيانَ الصهيونيَّ في قلب العالم العربي والإسلامي؛ ليُكمل دورَه وينمِّي ميراثَه في الإضعاف والتفتيت والكراهية، ولقد نشرت مجلة (كيفونيم)- التي تُصدرها المنظمة الصهيونية العالمية في 1982م- وثيقةً بعنوان: (استراتيجية إسرائيلية للثمانينيات)، تحدثت عن الخطط الساعية لفصل جنوب السودان وتقسيمه، ومخطط تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية، وتحدثت أيضًا عن تقسيم العراق كمخطط صهيوني، فقالت الوثيقة: إن بشائر الفُرقة والحرب الأهلية تلوح في العراق اليوم، خاصةً بعد تولي الخميني الحكم.
وجاء فيها أيضًا: إن تفتيت العراق هو أهمُّ بكثير من تفتيت سوريا؛ وذلك لأن العراق أقوى من سوريا؛ لأن في قوة العراق خطورةً على إسرائيل في المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى، وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق إلى مقاطعات إقليمية طائفية كما حدث في سوريا في العصر العثماني، وبذلك يمكن إقامة ثلاث دويلات حول المدن العراقية: دولة في البصرة، ودولة في بغداد، ودولة في الموصل، بينما تنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن الشمال السني والكردي.
وللأسف الشديد- فرغم وضوح المخططات- فقد دعمها الحكَّام المستبدّون بسياستهم الطاغية، التي صبَّت العذاب فوق رؤوس الشعب ألوانًا؛ الأمر الذي كرَّس الأحقاد والبغضاء بين الشيعة والسنة، وفتَح الباب أمام الاجتياح الأمريكي للعراق، وظل يغذي النعرةَ الطائفيةَ لدى الشيعة، وأقام النظام السياسي على أساس المحاصصة، وكوَّن الجيش والشرطة من الشيعة، وكان المفروض فيمن ذاق ألمَ الظلم والطغيان ألا يذيقه لغيره من الأبرياء، وأن تنتصر أخوَّةُ الإسلام على تناقض المذاهب، وأن يتحمل المراجع والعلماء مسئوليتَهم أمام الله في كبح جِمَاح التعصُّب والرغبة في الثأر.
إلا أن حربًا مجنونةً نَشِبَت، أكلت الأخضر واليابس، وقتلت ما يقرب من مليون شخص، وأحالت حياة الناس إلى جحيم أُزري بطغيان النظام السابق، وأنساهم إياه، وطالت التفجيرات كلَّ عامر حتى أماكن العبادة، وانطلقت فرق الموت من مغاوير الشرطة، تخطف الآلاف من الناس الأبرياء وتقتلهم، بعد أن تتشفَّى بتعذيبهم، وتُلقِي بجثثهم في الشوارع، في جرائم تَرْبَأ عن اقترافها الوحوشُ الضاريةُ، وتُفرِغُ أحياءً من أهلها من السنة، وتستولي على منازلهم ومساجدهم لتغيير التركيبة السكانية؛ الأمر الذي يُنذِر بالتمهيد للتقسيم، الذي خطَّط له الصهاينة، وسعَى لتنفيذه الأمريكانُ في مشروعهم الاستعماري المسمَّى بـ(الشرق أوسط الجديد) فهل بلغ بنا العمَى أن ننساق لنخرِّبَ بيوتَنا، ونمزِّقَ دُوَلَنا، وننفِّذ أهداف أعدائنا بأيدينا؟! ورغم فداحة الخَطب وعِظَم مصيبتِنا بما يحدث في العراق.
فإن ذلك لم يكفِ الأمريكان، بل استغلوه في تحريض الدول السنّية على المذهب الشيعي من أصله؛ باعتباره العدوَّ الأكبر الذي يهدِّد أمنَهم ويسعَى لبسط نفوذه والتوسع في فراغ دولهم، ومن ثمَّ لا بدَّ لهم من الاصطفاف تحت العلَم الأمريكي والصهيوني للتصدي لهذا الخطر الجسيم، كل ذلك تمهيدًا لضربة أمريكية متوقَّعة للمفاعلات النووية الإيرانية، كما أشارت إلى ذلك الأخبار المتسرِّبة وتحليلات المراقبين والباحثين.
فانظروا أيها المسلمون.
كم من الكوارث تقترفونها بأيديكم!! تقتلون أنفسكم وتَكَادون تُبيدون إخوانكم، وتهجرون الباقين من ديارهم، والله يحرِّم عليكم الدماء والأموال والأعراض والتخريب!! " لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض" ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: من الآية 32).
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
وتقسمون بلدكم، والله يأمركم بالوحدة والاعتصام بحبله ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92) ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103).
وتعادون إخوانَكم وتوالون أعداءَكم، والله يحرِّم عليكم هذا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (الممتحنة: من الآية 1) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة: 51).
وتنسون قضيتَكم الأساسية.
قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وتفتعلون قضايا تضيف مصائب إلى مصائبنا الجسام، إضافةً إلى استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق، وانتشار قواعده العسكرية في الدول المحيطة بها؛ الأمر الذي ينتهك السيادة، ويذلّ الكرامة، ويذهب بالحرية والاستقلال الوطني والقومي، وينتهب الأموال، ويلحقنا بعجلة التبعية.
فيا أيها المسلمون، ويا أيها العلماء، ويا أيها المراجع.
لقد سبق أن ناشدتُ علماء السنة (ممثَّلين في فضيلة الشيخ حارث الضاري)، وناشدت مراجع الشيعة (ممثَّلين في سماحة الإمام علي السيستاني)، واليوم أنادي الجميع.
الأئمة في إيران والعراق، فهم الذين يملكون إلجامَ التعصُّب الطائفي الشيعي، وانتزاع الحقد والكراهية من نفوس العوام، وإحياء مشاعر الأخوَّة الإسلامية بين المسلمين سنَّةً وشيعةً، وأنادي علماء السنة أن يعيدوا إدانة عدوان التكفيريِّين على الشيعة، ويحذِّروا عمومَ أهل السنة من الانخراط في هذا الطريق، فدَمُ المسلمين حرامٌ، والمسلم مَن سلِمَ المسلمون من لسانه ويده، وذلك إنقاذًا للإسلام الذي شوِّهت صورتُه، وللمسلمين من المجازر والمذابح الوحشية، وللعراق من التقسيم ومن الاحتلال، ولإيران من العدوان، وللبلاد الإسلامية من سياسة المَحاور والأحلاف تحت رايات الصهاينة والأمريكان، وللبلدان من التخريب، وللأموال من النهب والضياع، ولفلسطين من النسيان.
ولا يفوتني أن أذكِّر السياسيين والمفكِّرين والكتَّاب بمسئوليتهم أمام الله عن كل هذه الأمور، فليتقِ اللهَ كلٌّ منهم، وليبذل كلُّ قادر غايةَ وسْعِهِ؛ لوأد الفتنة ورأب الصدع وإعادة اللُّحمة بين إخوة الإسلام والوطن.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.