آن للأمة أن ترفع الوصاية عنها
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله ربِّ العالمين، ونصلِّي ونُسلِّم على أشرفِ المرسلين؛ سيدنا محمدٍ النَّبي الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد.فإن الذي ينظر إلى العالم الآن يرى واقعًا تسيطر عليه قوى الشر والاستكبار الأحادية المتمثلة في الإدارة الأمريكية ومن خلفها تصطف أنظمة وحكومات تقر سياساتها بحكم المصلحة، أو أنظمة وحكومات مستبدة تعمل على كسب رضاها أملاً في البقاء في الحكم أطول فترةٍ ممكنة! وفي هذه المرحلة الحرجة تقف أمتنا على مشارف موقفٍ مصيريٍّ يحتم عليها أن تبصر حقيقة دورها المنشود في ريادة الأمم من منطلق الخيرية التي تحدث عنها ربنا تبارك وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110)، غير أن الدور المنشود لا تحققه الأحلام ولا تجسده التمنيات، فلا بد لهذه الأمة من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض، ولا بد للمخاض من آلام، إنه المخاض لفجرٍ جديدٍ وغدٍ قادمٍ رايته الحق وشمسه الحقيقة وأفقه الحرية، وإلا ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 38).
إن على شعوب أمتنا الإسلامية أن تثق بقدرتها على امتلاك أسباب نهضتها، بل ونهضة العالم، وهو ما تعمل قوى الشر والاستكبار على أن تسلبها إياها سعيًا لطمس النور الإسلامي حتى لا يعم العالم ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾ (الصف).
ولا شك أن المهمةَ الملقاةَ على عاتقِ الشعوب تتضمن أمرَيْن كما قال الإمام الشهيد حسن البنا: - أولهما: تخليص نفسها من قيودها السياسية حتى تنال حريتها، ويرجع إليها ما فقدت من استقلالها وسيادتها.
- ثانيهما: بناؤها من جديدٍ لتسلك طريقها بين الأمم، وتنافس غيرها في درجات الكمال الاجتماعي.
ويسعى المستكبر لكسر شوكةِ المقاومة في نفوس الشعوب وحصار رُوح الأمل لديها، وإشاعة الهزيمة النفسية داخلها؛ لتبقى الشعوب أسيرةً له ودائرةً في فلكه، لكن يبقى دور دعاة الإصلاح متمثلاً في دور مؤمن آل فرعون الذي راح يُوقظ ضمير الأمة الذي خدَّره المستبد: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)﴾ (غافر)، وساعةَ يستيقظ ضمير الأمة تكون النهضة قد بدأت انطلاقتها، وأمة تمتلك إرادتها وثقتها بنفسها تكون قادرةً على صُنع حاضرها وبناء مستقبلها.
حينئذٍ تكون قد وعت حقيقة الدور الذي رسمه لها الإسلام وساعتها ترفع عنها كل وصاية إلا وصاية رب العالمين.
وإلى ولاة الأمر كلمة لقد قرر الإسلامُ سلطةَ الأمة وأكدها، وأوصى بأن يكون كل مسلمٍ سياسيًّا، مهتمًّا بشئون مجتمعه، مراقبًا لتصرفات حكومته يُقدِّم لها النصح والتوجيه؛ يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة.
قالوا: لمَن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" .
ويقول أيضًا: "إن من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر "، ويقول أيضًا: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه فقتله" .
فيا ولاةَ الأمر.
إن الله مسترعيكم شعوب أمتنا العربية والإسلامية، وسائلكم عمَّا استرعاكم وعمَّا قدمت أيديكم، واعلموا أنكم سوف تقفون بين يديه سبحانه يوم القيامة ليحاسبكم عن الصغيرة والكبيرة.
وإذا كان الله حرَّم الظلم على نفسه وحرَّمه على عباده وأمرنا ألا نتظالم.
فإنه توعَّد الظالمين بسوء العاقبة، يقول الحق جل وعلا: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)﴾ (إبراهيم).
إن الإخوان اليوم لا يتوجهون إليكم بالحديث من واقعٍ فئوي أو حزبي أو نخبوي وإنما يخاطبونكم بكل الصدق والإخلاص لتحقيق ما فيه مصالح الأوطان ونهضة الشعوب، وحرصًا منهم على أن تنالوا رضا ربكم في الآخرة، وهم لذلك يرجون أن يجدوا عندكم آذانًا صاغيةً وعقولاً راشدة.
إن الإخوان المسلمين يذكرونكم بضرورة الحفاظ على هوية شعوبكم وصيانة حقوقهم وحرياتهم، كما يذكرونكم بأن المصالحةَ بينكم وبين الشعوب هي السبيل إلى أمن الأوطان واستقرارها، فضلاً عن استقلال إرادتها وقدرتها على مواجهة التحديات.
إن العدو جاثمٌ على صدر فلسطين والعراق وأفغانستان ومحاصر لإيران والصومال ومتآمر على السودان وسوريا ولبنان، فأين أنتم من ذلك كله؟ لا بد وأن يكون لكم مشروعكم الخاص بكم.
بمصالح أوطانكم وشعوبكم.
في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يسعى إلى تركيع الأمة وتغييب هويتها ونهب خيراتها.
المشروع الذي يستهدف تفكيك المنطقة وإعادة رسم خريطتها من جديدٍ وفق محورَيْ اعتدال وتطرف بما يضمن تفوقًا ساحقًا للكيان الصهيوني على كلِّ الدول العربية مجتمعةً.
وإلى الإخوان كلمة إلى أولئك الذين غيَّبتهم السجونُ وحالت بيننا وبينهم الأسوار.
وإلى أُسر هؤلاء الإخوان نقول: إن دعوات السحر لا تنقطع، ومع كل صلاةٍ وفي كلِّ سجودٍ نسأل الله أن يُفرِّج الكروب، وأن يربط على القلوب ويشرح الصدور، واعلموا أن دوام الحال من المحال، وأن مع الضيق الفرج، وأن سياسة القهر والضغط والجبروت لم تأتِ في الماضي إلا بعكس المقصود منها، وقد عجزت عن تحقيق أهدافها ومرادها، وهي في مواجهة صلابتكم وثباتكم وإيمانكم وصبركم أشدُّ عجزًا.
ثقوا في الله تعالى وتوكلوا عليه وحده، وفوضوا أموركم له، وكونوا على يقينٍ من أنَّ الله يُمهل ولا يهمل حتى إذا أخذ الظالم لم يفلته، إن أخذه أليمٌ شديدٌ، ولله الأمرُ من قبل ومن بعد.
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾ (هود).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.
والحمد لله رب العالمين.
القاهرة في: 17 من شعبان 1428هـ الموافق 30 أغسطس 2007م