الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 المؤتمر الأمريكي والدعوة لتقسيم العراق.. تحديات متجددة تواجه الأمة الإسلامية

المؤتمر الأمريكي والدعوة لتقسيم العراق.. تحديات متجددة تواجه الأمة الإسلامية

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والاه، وبعد.

تواجه المنطقة العربية والإسلامية تحدياتٍ مصيرية في هذه الفترة؛ حيث تمارس قوى الهيمنة الدولية سياسةَ التغلغلِ في الدول الإسلامية، بغرض إضعافها والعصف بمقدراتها والسيطرة عليها، وهذا التدخل السافر ليس وليد اليوم، ولكنه يُمارَس منذ زمنٍ بعيدٍ بسياسةٍ حثيثةٍ وماكرة لا تختلف في مضمونها ومراميها عن أهداف الحقبة الاستعمارية وفرض الوصاية على الشعوب عبر المؤتمرات الدولية الفاقدة للشرعية والنزاهة.
  فإن الهجمة الغربية بقيادة الولايات المتحدة على الدول الإسلامية، والتي تشمل أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال، فضلاً عن التهديد بإعلان الحرب على إيران، تشهد هذه الهجمة على جورِ وظلمِ ما يُسمَّى النظام الدولي الذي جعل الدول الإسلامية مسرحًا للنهب والتخريب، بشكلٍ يتنافى مع ادعاءاته بالإصلاح والرخاء والتنمية، فقد غذَّى وأشعل الحروب الأهلية ووسَّع نطاقها.
  لقد أصبحت الدعوة لتقسيم وتجزئة الدول عنوان السياسة الغربية، فهذه الدعوة لم تعد كامنةً، ولكنها أطلَّت برأسها وأُعلنت في وثائق رسمية، وهي بذلك تُعبِّر عن سياسة تمعن في العدوان، ولا تستند إلى مبررات يقبلها العقل والمنطق؛ ولذا فإن التساؤل يصبح مشروعًا عن حقيقة وأبعاد التدخل في الشئون الداخلية للدول الإسلامية.
  المؤتمر الأمريكي إن دعوة الولايات المتحدة لعقد مؤتمرٍ دوليٍّ للنظر في قضايا السلام في المنطقة العربية، تأتي في وقتٍ غير ملائم؛ وذلك أن عقدَ مؤتمرٍ دولي في الوقت الراهن لا يساعد التناول الجاد للقضايا والموضوعات المصيرية.
  فقد روَّجت الولايات المتحدة لعقد مؤتمرٍ تشارك فيه دول عربية، لمناقشة مستقبل التسوية للقضية الفلسطينية؛ حيث أرسلت مسئوليها لإقناع الأطراف الإقليمية بالمشاركة، دون توضيحٍ لجدول الأعمال الذي يبتغيه المؤتمر، سوى أن المسئولين الأمريكيين باتوا يوضحون أن المناقشات ستدور حول إعلان "دولة فلسطينية"، وهكذا دون توضيح الإجراءات اللازمة لبناء الثقة قبل الدخول للمؤتمر، وفي ظل هذا الغموض يوجد ثمة تساؤلٍ عن مصير القضايا الأخرى التي لم يرد بشأنها ذكرٌ حتى الآن، مثل إنهاء الاحتلال، وفك المستوطنات، وإزالة الجدار العازل، والقدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، فمن الظلم التاريخي إهمالهم ونسيانهم والتغطية على الجرائم التي ارتُكبتْ في حقِّهم.
  إن ما تبغيه السياسة الأمريكية من عقد هذا المؤتمر، لا يخرج عن محاولةٍ من محاولاتها المتكررة لفرض تسوية قسرية، ليس فقط على الفلسطينيين، ولكن على الدول العربية أيضًا، وهذه السياسة يرفضها جميع الشرفاء والمخلصين؛ إذ إنَّ السلامَ العادلَ والاستقرارَ لا يتحققان بفرض الإرادات وهضم الحقوق، هذا ما يجب أن يستفيد منه الجميع، فالخبرات التفاوضية السابقة كانت مخيبة للآمال ولم يتحقق المرجو منها؛ حيث لم تُبنَ على أُسسٍ واضحةٍ تُثبت الحقوق وتضمن الوفاء بالالتزامات.
  فما تطرحه، السياسة الأمريكية- هذه المرة- لا يختلف عمَّا سبقه من أطروحات ومشروعات لفرض تسوية سياسية، فالجامع المشترك بينها يتمثل في الإمعان في التحيز ضد الفلسطينيين، فرغم الترويج للمؤتمر الأمريكي منذ فترة والإعلان عن أن إنشاء دولة فلسطينية يمثل محور أعماله، لم تتضح كيفية تناول هذه المسألة، وهو ما يعني أن التعامل معها سوف يكون وفقًا لتجربة الصواب والخطأ، فلا توجد سياسية أو رؤية منصفة تُعيد الحقوق لأصحابها، بقدر ما يوجد توجه نحو فرض الأمر الواقع لدى مناقشة مسألة الدولة الفلسطينية.
  حصار الفلسطينيين ومن المفارقة أن الدعوة لعقد المؤتمر تأتي في ظل سياسةٍ أمريكيةٍ وصهيونيةٍ وأوروبيةٍ تدعم فرض الحصار على الفلسطينيين، كما تدعم وترعى الانقسامات الداخلية فيما بينهم، وهذه السياسة الإكراهية تتناقض وتتعارض مع السعي لتحقيق السلام والاستقرار، فهي إما تؤدي لحدوث أزماتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ داخل فلسطين يصبح معها الحديث عن قيام دولة فلسطينية غير ذي معنى، أو يظل غياب الثقة بين الأطراف المختلفة العنصر الحاكم للقاءات التفاوضية، وفي ظل هذا الوضع، وبناءً على الخبرات السابقة، فإننا لا نعتقد بنجاح المؤتمر في توفير مناخٍ للثقة على أقل تقدير.
  ولذلك فإنه من الضروري عدم استبعاد أيٍّ من الأطراف الفلسطينية من المشاركة في المناقشات حول المسائل الإستراتيجية، وقبل ذلك لا بد من دعوة الأطراف الفلسطينية لإصلاح ذات البين والوقوف صفًّا واحدًا لمواجهة محاولات العصف بحقوقهم، ومصادرة الحق في المقاومة، كما ندعو الحكومات العربية تجنب الانجراف وراء أوهام لا طائلَ منها، بل يجب العمل الدءوب لفك الحصار.
  تقسيم العراق.

إن الدعوةَ التي أطلقتها الولايات المتحدة لبناء نظامٍ فيدرالي على أساسٍ طائفي، تعد الخطوةَ الرئيسيةَ نحو تقسيم البلاد، كما تكشف عن الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في المنطقة، فهي من ناحيةٍ تُشير صراحةً إلى التمييز بين السكان على أساسٍ طائفي، ومن ناحيةٍ أخرى تعتبر الطائفة كيانًا سياسيًّا يتمتع بسلطات وصلاحيات تتجاوز الحكومة المركزية.
  وهذا التوجه ليس جديدًا في السياسات الاستعمارية؛ حيث كانت تلعب دائمًا على الخلافات بين الطوائف والأقليات الدينية والعرقية، فقد استغلت هذه الخلافات في بعث الصراعات بين أبناء البلد الواحد كوسيلةٍ للاستمرار في السيطرة ونهب الثروات.
  إن السياسة الرامية لتقسيم العراق، تعد امتدادًا للسياسات الاستعمارية التي قسَّمت قبل ذلك، ليس فقط الخلافة الإسلامية إلى دول، ولكن قسَّمت بعضها إلى دويلات، ولعل حالة فلسطين خير شاهد، فالسياسة الأمريكية تجاه العراق تكشف عن جولةٍ جديدةٍ من السياسة الاستعمارية لا تختلف في أهدافها عن التجارب الاستعمارية السابقة.
  السودان والمخاطر المحتملة للانفصال وعلى مستوى الوضع في السودان، كانت تجربة الحرب الأهلية من الحالات الشاهدة على مساوئ التدخل الدولي في الشئون الداخلية للدول والشعوب، فكما أفرز هذا التدخل المقيت عداوات بين أبناء البلد الواحد، نجده وقد قام بدورٍ رئيسي في هدر ونهب القدرات والإمكانات والموارد بكافة أشكالها، وكان ذلك في سياق سياسةٍ متعمدةٍ لتفكيك أوصال الدولة والمجتمع.
  إن التدخل الدولي في السودان لا يجعل خيار الوحدة مفضلاً لدى السودانيين، فغالبية الدول التي تسعى لاغتصاب موطئ قدمٍ لها في الأراضي السودانية لا تستهدف نهب الثروات فقط، ولكنها تعمل على بعث الصراعات العرقية في كافة أرجاء السودان لكي تخلق مبررًا لتدخلها.
  موقفنا الثابت من سياسة التدخل والهيمنة لقد سبق وأن حذَّرنا من سياسة التدخل العسكري والهيمنة السياسية والاقتصادية، بحسب أنها الحاضنة للإرهاب والمولدة للكراهية، فلقد سبق وأن حذَّرنا من مخاطر احتلال العراق والوجود الأجنبي- بكافة أشكاله- في دول ومياه المنطقة العربية والإسلامية، وهذا ما ظهرت آثاره الخطيرة في الوقت الراهن، ولذلك نؤكد على أنَّ حلَّ المشكلات التي تواجه شعوب المنطقة تكون بمساهمةِ أبنائها وبإرادة شعوبها، وهذا ما يجب أن يشغل الجميع لأجل تحقيق وتثبيت الاستقلال.
  إن الوصول إلى الاستقلال الحقيقي لن يكون إلا من خلال الإرادة الحرة للشعوب في التعبير عن نفسها لكي تتحرر من ربقة الاستعمار الجديد، هذه الإرادة الصلبة يجب أن تبتدع طرق التعبير المناسبة، وكذلك السياسات الملائمة للتعامل مع التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، وهذا الشرط ضروري لتحقيق النهضة الحضارية واستعادة زمام المبادرة والريادة، وهذا ما يتطلب بذل الجهد لتشييد نظم حكم مستقلة، قائمة على العدالة وحادبة على الحرية، فمثل هذه النظم تستطيع حماية استقلال أوطاننا والحفاظ على هويتنا وحضارتنا.
  وبعد.

إن قيام العلاقات بين الدول والشعوب على الاحترام المتبادل يقتضي عدم التدخل في شئون الآخر ابتداءً، كما يقتضي قيام العلاقات على أساسٍ متكافئ يحقق العدل ويُوفِّر الأمن لكل الشعوب.
  إن الصيام والقيام وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم- خير معين على مواجهة المحن والأزمات، فهي مبعث الإرادة والتربية على العزة والكرامة، وندعو الله- عزَّ وجل- أن يفيض علينا من نعمه، بأن تخرج الأمة الإسلامية من شهر رمضان المبارك وهي أحسن حالاً، وأدركت أن أسباب نهضتها ومجدها تتحقق بالتزامها بكتاب ربها وتطبيق شريعته، وليس باللهاث وراء الأفكار والنظريات الوضعية، فقد تبيَّن الرشدُ من الغي، ولقد كان الالتزام بتطبيق الإسلام- عبر التاريخ- ملهمًا لوحدةٍ إسلاميةٍ أقامت العدل وحرمت العدوان.
  وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.