الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 ماذا خسر العالم بمحاربة المشروع الإسلامي؟!

ماذا خسر العالم بمحاربة المشروع الإسلامي؟!

  رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.

وبعد   فما زال السؤال الذي طرحناه في المقال السابق يتردد صداه: ماذا خسر العالم بمحاربة المشروع الإسلامي الوسطي المعتدل الذي ينتمي إليه جمهرة الدعاة المسلمون وفي القلب منهم الإخوان المسلمون؟   لقد قدم مشروعنا الإسلامي منذ بدايات إحيائه تلك الرؤية الحضارية المتكاملة التي ترتكز على إحياء العقيدة، وإيقاظ الإيمان المخدر في نفوس المسلمين، وتزكية النفوس وتربيتها، وإعادة الهوية الإسلامية لتكون المرجعية العليا للأمة شعوبًا وقادة، وإقامة مجتمعات العدل والحرية والمساواة بين الناس، وما يتطلبه ذلك من احترام إرادة الشعوب فى اختيار حكامها ونوابها، واستقلال كل من القضاء ومؤسسة التشريع، والتخطيط الجاد، والإدارة العصرية، فضلا عن الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى وتوطين التكنولوجيا، ووحدة الأمة والتكامل بين عناصر القوة فيها كعنصر أصيل فى نهضة الأمم، كما يتضمن المشروع الدعوة لنظام دولي قائم على الحرية والعدالة وضمان حقوق الإنسان التي أقرتها شرائع السماء حتى يتحقق الأمن والطمأنينة ويسود السلام بين الأمم والشعوب .
  وقد وقف المشروع الاستعماري الغربي الأمريكي – والصهيونية جزء منه - موقف العداء من مشروعنا الإسلامي منذ البداية، بدلاً من أن يراجع نفسه ويعلي قيم الحوار والانفتاح على الآخرين التي يكثر الحديث عنها، مستسلمًا لخلفية تاريخية معادية للمسلمين تمتد إلى زمن الحروب الصليبية التي تنضح مفرداتها على لغة خطاب زعمائه من حين إلى آخر.
  التصدي للمشروع الاستعماري الغربي: ولم يغب عن أبناء الحركة الإسلامية ولا عن الشعوب المسلمة أن المعاناة والظلم الذي يتعرضون له كان بسبب تصديهم للمشروع الغربي الاستعماري الغاشم، وأن الأنظمة العربية والإسلامية التي اضطهدت الإسلاميين وسعت إلى تشويه صورتهم ومشروعهم إنما هي محض أدوات طيعة في أيدي السادة من زعماء الغرب ومنظماته.

وأنهم مجرد وكلاء لهؤلاء السادة ربطوا مصالحهم بهم، وانفصلوا عن شعوبهم التي تسلطوا عليها بالحديد والنار!!   نحن لا ننسى أن قرار اعتقال الإخوان المسلمين وحل جماعتهم واغتيال مرشدهم الأول الإمام حسن البنا كان بقرار صاغه ممثلو الدول الاستعمارية الكبرى – إنجلترا وفرنسا وأمريكا – في اجتماعهم في فايد المصرية في 10 نوفمبر سنة 1948م، ولا ننسى أن اضطهاد الإسلاميين وإقصاءهم كان مطلبًا صهيونيًا بارزًا، حيث عبر قادتهم مرارًا عن أن جزءًا من سياستهم يتمثل في السعي لإبقاء الإسلام بعيدًا عن الصراع العربي الصهيوني، وهو ما نجحوا فيه طوال عقود من الزمن– على حد تعبير جريدة يديعوت أحرونوت الصهيونية في عدد 11/3/1978م -  وأنهم"يجب أن يستمروا في ذلك المسعى، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف لإخماد أي بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".

وكان ضرب الإخوان المسلمين بمصر يأتي دائمًا ممهدًا لتحقيق المزيد من التقدم للحركة الصهيونية والاستعمار الدولي، كما حدث عامي 1956 و1967م، وتمهيدًا للتطبيع مع العدو الصهيوني، وجعله جزءًا من المنظومة السياسية والاجتماعية بمنطقتنا .
  لقد بات واضحًا في وعي سدنة المشروع الغربي الاستعماري الصهيوني أن نجاح مشروعهم مرتهن بحصار المشروع الإسلامي وإجهاضه، بعد أن عز عليهم القضاء عليه.

وهم يبرهنون على ذلك بأن المقاومة الحادثة في العالم العربي والإسلامي الآن لمشروعهم هي مقاومة إسلامية في الأساس، أو هي مقاومة يمثل المشروع الإسلامي رائدها ومصدر قوتها، يرون ذلك في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والسودان وغيرها.
  الدور العالمي للمشروع الإسلامي: إن مشروعنا الإسلامي المعتدل لا يقدم طوق النجاة لشعوبنا التي عانت القهر الاستعماري الغربي - وما زالت- فحسب، بل غدا بارقة الأمل في تحقيق العدالة والحرية لكافة المستضعفين في عالم اليوم، وإن التصدي الغاشم لمشروعنا ومحاولة تشويهه بوصمه بالتطرف والإرهاب يعد جريمة في حق هذه الإنسانية المستذلة من قوى الشر والاستكبار الدولي، ليظل المستفيدون من المشروع الاستعماري الغربي يحافظون على مكتسباتهم الظالمة التي حققوها بظلم شعوب الأرض ومص دمائها ونهب ثرواتها وفرض التخلف عليها.

  إن مشروعنا الإسلامي لا يعادي شعوب الغرب، ولا ينكر فضل عطائها الحضاري للعالم، ولكنه يتصدى بقوة لقيم الظلم والأنانية التي تحرك أنظمة الغرب الاستعماري، والتي أدت إلى سيطرة 20% من أثرياء الغرب على 80% من مجمل الدخل العالمي، بينما يعيش قرابة نصف سكان الأرض على 5% من إجمالي الدخل العالمي!! كما أدت إلى سيطرة خمس فقط من الدول الكبرى – التي تمتلك حق النقض (الفيتو) على مقدرات هيئة الأمم المتحدة التي تضم كافة أقطار الدنيا، لتتحكم بذلك في القرار السياسي الدولي!! وأدت إلى إشعال الحروب بين شعوب الأرض ليثرى تجار السلاح وشركاته الكبرى في الغرب الذين لم يرتووا بعد بدماء المستضعفين!! وأدت إلى حصار علمي وتقني مفروض على دول العالم الثالث ليستمر تخلفها واعتمادها عليهم، ولتستمر هجرة العقول النابهة من بلدان العالم النامي إلى الغرب فيستأثر وحده بها بفضل ما يمتلكه من إغراءات مادية هائلة وحياة رغدة، فتحرم بذلك شعوبنا من خيرة أبنائها المؤهلين لإحداث نقلة حضارية في بلادنا، بل يصل الأمر إلى حد تهديد حياة من يستعصي على إغراءاتهم من علمائنا، وما مثال د.
يحيى المشد وسميرة موسى منا ببعيد، وكذا ما يفعلونه بالعراق من تدمير لجامعاتها واغتيال لصفوة علمائها.
  فرض الاستبداد السياسي: لقد أدت المواجهة الظالمة للمشروع الإسلامي الوسطي إلى استمرار فرض الاستبداد السياسي على بلادنا، حيث تخلى المشروع الغربي في هذه المواجهة عن أعظم مفرداته بريقًا وهي التبشير بالديمقراطية والحرية، ومضى يدعم ثلة من أقسى الدكتاتوريات الغاشمة في عالمنا العربي والإسلامي طالما نفذت هذه الأنظمة الأجندة المطلوبة منها، وعلى رأسها مواجهة الصحوة الإسلامية في أقطارها، وفرض نمط الحياة الغربي عليها.

وشعوبنا هي التي تدفع ضريبة هذا الاستبداد من حريتها وكرامتها وحاضرها ومستقبلها، والغرب الاستعماري قد نام ضميره نومًا عميقًا، فما عاد يهمه إلا استمرار وكلاؤه ببلادنا وتنفيذ المطلوب منهم.

حيث يدرك أنه لو تركت أمام شعوبنا حرية اختيار منهج حياتها فسوف تنحاز إلى هويتها الإسلامية ومشروعها الحضاري.

وما خيار أهلنا في فلسطين – حين أتيح أمامهم حق الاختيار – إلا مثال على ذلك.

ونحن هنا نحيي تضحيات شعبنا المسلم في باكستان التي لم تضع سدى، فقد أثمرت خلع دكتاتورها الدموي برويز مشرف الذي لم يتورع عن ارتكاب المجازر ضد شعبه وفاء لتحالفه الأثيم مع أمريكا والغرب.

وقد لفظه حلفاؤه فما بكت عليه عين.

ولعل في ذلك الدرس البليغ لحكامنا ليدركوا أن ملاذهم هو شعوبهم لا غيرها.
  الإفساد الأخلاقي: منذ بدايات تأسيس حركة الإخوان المسلمين استهدف إمامنا الشهيد حسن البنا بناء الفرد المسلم حتى يكون "متين الخلق"، وقي باكستان كان الشيخ أبو الأعلى المودودي يكتب "الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية"، وعلى امتداد عقود من الزمن قدمت الحركة الإسلامية هذه النماذج الوضاءة من الرجال والنساء والولدان الذين لم يجد خصومهم على أخلاقهم وسلوكهم مأخذًا ولا مغمزًا، مما كان يبشر ببناء أخلاقي متين لمجتمعاتنا الإسلامية، ويقدم نموذجًا بشريًا فريدًا.
  وفي خضم مواجهة الخصوم للمشروع الإسلامي لم يستطيعوا إيجاد المنظومة العقدية أو السياسية التي يلتف حولها المسلمون فيصرفهم ذلك عن دينهم ومشروعهم الحضاري، ولم يجد هؤلاء الخصوم ووكلائهم في بلادنا أمامهم سوى صرف الناس عن مرجعيتهم الإسلامية ومشروعهم الناهض بإثارة الشهوات الطاغية وإفساد أخلاقهم الزاكية، وأنفقوا في سبيل ذلك الأموال الطائلة، ورصدوا من أجله وسائل إعلامهم وقنوات فضائهم وصحفهم السيارة ودعايتهم المسمومة، يروجون بها سعار الجنس ونزوات النفس وإفساد القيم وقتل الضمائر.

كل ذلك في سعي مقصود وعمل مبرمج مدروس، يقف وراءه ساسة همهم الأول البقاء على كراسيهم، ووسيلتهم إلى ذلك صرف الناس عن عقيدة تأمرهم بمكارم الأخلاق، ومقاومة الظالمين، وليس يهمهم بعد ذلك أن تفسد أخلاق الأمة وتخرب عقائدها وتتخدر أعصابها فلا تفرق بين عدوها ووليّها.
  إثارة الفتن الداخلية واستهداف وحدة المسلمين: ودعا المشروع الإسلامي إلى توحيد قوى الأمة والعدل بين عناصرها من المسلمين وغيرهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإلى تقوية وحدة المسلمين على اختلاف مذاهبهم الدينية، فكلهم يؤمنون بإله واحد وكتاب واحد ويتجهون في صلاتهم إلى قبلة واحدة، ويواجهون خطر عدو مشترك يستهدف عقيدتهم وهويتهم،.
  غير أن أعداءنا رأوا في ذلك الخطر كل الخطر عليهم، فمضوا يغذون الفتن الأهلية والحروب الداخلية، ويزرعون العداء بين المسلمين وغيرهم من بني وطنهم، ومضوا يفرقون بين السنة والشيعة، ويؤلبون بعضهم على بعض، بل مضوا يفرقون بين أتباع المذهب الإسلامي الواحد، كما يحدث في السودان: غربه ووسطه وشرقه، وما مأساة دارفور عنا ببعيد، وكما يحدث في العراق بين السنّة العرب والأكراد.
  يا قومنا: إننا ندعوكم إلى الالتفاف حول مشروعكم الحضاري الوسطي الإسلامي، وإلى العودة إلى هويتكم الجامعة لكم، وهي الإسلام، وإلى التنبه إلى خطر البعد عنه أو الافتتان بغيره، وإلى مواجهة المخاطر المحدقة بكم، فلا عاصم لكم إلا ربكم، ولا جامع لكم إلا دينكم، ثم ترقبوا عندها نصر الله القريب، ( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.

)
(محمد 7) وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.