في ذكرى تحرير سيناء
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هديه وسار على دربه إلى يوم الدين، وبعد.فإنَّ للأمم والشعوب مناسباتٍ خاصة تحتفي بها وتُحيي ذكراها، وخاصةً تلك المتعلقة بالانتصارات العسكرية وحسم الصراعات فيما بينها وبين أعدائها، وكما هو معروفٌ فالشعوب التي ليس لها تاريخ ليس لها حاضر أو مستقبل؛ ولذا حرص أعداء الشعوب دائمًا على طمسِ معالم تاريخها ومحاولة تشويه ذاكرتها ووعيها.
وللأمة العربية والإسلامية تاريخ طويل وممتد ومشرف بما وقع فيه من انتصارات على الظالمين والمستبدين في الشرق والشمال والغرب؛ وذلك نظرًا لما تحمله الأمة من خيرية وحق وعدل وحرية ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾ (آل عمران)، ومنذ أن بزغ فجر الإسلام كان الكيد والمكر والدس والتآمر بكل أنواعه من أعداء الإسلام حسدًا وطمعًا وبغضًا.
فكانت المعارك في حطين على أرض الإسراء والمعراج، وفي عين جالوت ضد التتار، وكانت فتوح الخير في الشرق كما وقع مع عبدة النار في فارس وفي الشمال ضد الروم والغساسنة.
وغير ذلك الكثير.
ومنذ بدايات القرن الماضي ومع توافد عصابات الصهاينة إلى أرض فلسطين والصراع محتدم والجهاد مستمر لتحرير بيت المقدس وأرض الرباط من دنس العصابات الصهيونية ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)﴾ (الحشر)، وكانت حرب 48 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ضد إيجاد الدولة الصهيونية العنصرية الاستيطانية بمساعدة أمريكا وحلفائها وأعوانها في الخارج والداخل، وكانت النكبة الكبرى لأبناء فلسطين، وكانت مصر- ويجب أن تبقى- الطرف الأكثر تأثيرًا وفعاليةً في صدِّ موجاتِ الغزو الثقافي الفكري والعسكري، ووقعت حروب عديدة بعد عام 48؛ حيث كان العدوان الثلاثي على مصر والمحاولة الفاشلة في اختراق بورسعيد عام 1956م ثم كان بعد ذلك الحرب التي وقعت بعدوان الصهاينة في 5 يونيو 67، وكانت الهزيمة المرة واحتلال سيناء، ومرتفعات الجولان، وما تبقى من أرض فلسطين.
بعدها تحرَّك المصريون شعبًا وقيادةً، وكانت حرب الاستنزاف ثم التحرير عام 1973م؛ حيث ثأر المصريون من أعدائهم، وفي ظلِّ تلك الصيحة المباركة "الله أكبر" عبر جنودنا البواسل قناة السويس وخط بارليف، واستردوا الهيبة، وأزالوا العار في العاشر من رمضان "السادس من أكتوبر 1973م"، وكانت المفاوضات بعد ذلك بين مصر والخارجية الأمريكية- والصهاينة يرقبون الصورة بكل حذرٍ وترقب- وبقيت سيناء تحت الاحتلال الصهيوني ثم خرج الصهاينة منها، ولكن مع شديد الأسف بقي أثرهم وتأثيرهم، وبقيت سيناء منزوعةَ السلاح منقوصةَ السيادة، ولم يتوقف مكر الصهاينة بشأنها حتى يومنا هذا.
وتحتفل مصر في 25/4/2009م بيوم ذكرى تحرير سيناء التي ما زالت تُمنع من تسليحها بواسطة الصهاينة والأمريكان لرصد ومنع أي مساعدةٍ للمقاومين في فلسطين، وخاصةً في قطاع غزة.
* إن تحرير الوطن من كل سلطانٍ أجنبي لا بد أن يسبقه تحرير الإرادة واستقلالية القرار وعدم الرضوخ لأي ابتزازٍ من أي قوةٍ أجنبية صهيونية.
* إن الأمن القومي لا يُصان والسيادة الوطنية لا تتحقق على كاملِ أرض الوطن إلا إذا كان الناس أحرارًا، وامتلكوا إرادتهم، وعبَّروا عن آرائهم، وكانوا سادةً في بلادهم، وتوحَّدت صفوفهم، وكان النظام القائم والحكومة ومؤسسات الحكم تُعبِّر بحقٍّ عن الإرادة الحرة للشعب.
* إن الجياعَ والمقهورين والضعفاء والعبيد لا يمكن أن يحرروا وطنًا ولا يصنعوا حضارةً أو تاريخًا، ولا يحققوا تنميةً وتقدمًا واستقلالية.
هل حقًّا تحررت سيناء؟ وإذا كنا اليوم نحتفل بذكرى تحرير أرض سيناء العزيزة.
فهل حقًّا تحررت سيناء المصرية وامتلك المصريون حقوقهم وقرارهم في إدارة شئونها؟ وهل نستطيع فعلاً أن نُدافع عنها ونمنع الصهاينة من إعادةِ احتلالها في ظل القوات الدولية "الأمريكية" المنحازة للصهاينة داخل سيناء التي نحتفل بتحريرها؟ وهل سيناء حقًّا أصبحت كما كانت تتكامل وتتواصل بأبنائها وسكانها مع الوطن الأم مصر؟ وهل حقًّا عادت كما كانت الأم الرءوم والملاذ الآمن لأشقائنا الفلسطينيين القاطنين على الجانب الآخر؛ حيث تُراق دماؤهم وتُهدم بيوتهم، وتُجرَّف أرضهم، وتُقطع أشجارهم، ويُعتدى على أطفالهم ونسائهم وشيوخهم من الصهاينة المجرمين صباحَ مساء، وعلى مرأى ومسمع من حبَّاتِ رمال أرض سيناء قبل سكانها الذين أعجزتهم السلطة في مصر وحرمتهم حتى من تقديمِ الدعم أو المعاونة في نقله إلى أشقائهم وذويهم على الجانب الآخر حتى في رفح؟!.
إن أرض سيناء تئنُّ، ورمال سيناء تستغيث بأبناء مصر ليطهروها من دنس الصهاينة المتزيين بزي أمريكا وعسكرها.
إن سيناء تتحرق شوقًا لليوم الذي يستيقظ فيه الشعب المصرى وقواه الحية وكافة مؤسسات المجتمع المدني لتمارس دورها في دفع نظامها لتحرير سيناء وإعادتها إلى حضن الوطن مصر كاملةَ السيادة والعزة والانتماء.
إن وجودَ الصهاينة في هذه المنطقة واغتصابهم لأرض العروبة والإسلام في فلسطين، وتهديدهم الدائم بالسلاح الأمريكي لأبناء الأمة حول فلسطين هو الخطر المهدد لأمننا القومي، وهو المعوق الأكبر لقيام الوحدة وامتلاك الإرادة وإقامة نهضة عربية وإسلامية متكاملة تردع الأعداء وتدافع عن التراب والتراث، وتُعيد الأمن والأمان لأبناء دول المنطقة ولأبناء وأرض وأهل سيناء الغالية.
إن السلام- أي سلامٍ- لا يمكن أن يقوم بين أصحاب الأرض والأوطان والغزاة المحتلين من بني صهيون، إن مثل هذا السلام يُمثل مخدرًا للشعوب كي لا تفيق من غفلتها، ولا تستيقظ من سباتها.
فيبقى الأعداء والصهاينة في أمنٍ واستقرار، غير أن المقاومةَ والثبات الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي أظهره في مواجهة حرب الإبادة التي شنَّها عليه العدو الصهيوني خلال 22 يومًا أثبت أن الشعوب الحيَّة لا تلين ولا تستكين حتى تتحرر الأرض وتتطهر المقدسات، ومن ثَمَّ فالصهيونية والصهاينة إن شاء الله إلى زوال.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51).
إنَّ ما أسموه معاهدةَ السلام وقد مضى ثلاثون عامًا على توقيعها لم تحقق- كما نصَّت- أمنًا ولا سلامًا ولا استقرارًا، فأين السلام الشامل؟ أين حقوق الفلسطينيين؟ أين مصر مما يحدث من تهويدٍ للقدس، ومن تخريبٍ أسفل المسجد الأقصى؟ أين التنمية في مصر؟ هل توقَّف نزيف الدم الفلسطيني بفعل القرصنة الأمريكية والإرهاب الصهيوني؟ أين الانتعاش الاقتصادي وتحسين أحوال المعيشة؟ أين مصر وأبناؤها المخلصون ليعيدوا إليها دورها ويستردوا مع أبنائها كرامة الأوطان والإنسان؟ أين حقوق الإنسان؟ أين الحريات العامة؟ أين الصناعة والإنتاج؟ أين العلم والأخلاق والثقافة والتعليم؟ أين لقمة العيش للكادحين الذين يتحول عرقهم إلى أموالٍ تصبُّ في خزائن الظالمين من الحكام وبطانتهم الضالة المضلة والفاسدة المفسدة؟.
هل تحقق السلام في داخل مصر؟ وهل قويت شوكة مصر وتسلَّح أبناؤها بالعلم والإيمان والتنمية والحرية وأصبحوا قادرين بحقٍّ على التصدي للأعداء الصهاينة وتهديداتهم- كما فعل شارون من قبل، وكما هدد ليبرمان منذ أيام قلائل- بغزوها والسيطرة عليها وخاصة سيناء؟.
أيها الظالمون الماضون في غيهم وظلم أنفسهم وأوطانهم وأمتهم هل أنتم بحقٍّ أحرار؟ وهل تشعرون بالأمن والأمان؟ اعلموا أن الظلمَ لا يدوم، وأن دولةَ الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، واعلموا أن ربكم لبالمرصاد لكل ظالمٍ متجبرٍ، وباعدوا بين أنفسكم وما قاله ربنا في حقِّ الظالمين ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)﴾ (الفرقان)، وقوله سبحانه: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ( 43)﴾ (إبراهيم)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ (القصص: من الآية 8) كانوا خاطئين بظلمهم أنفسهم وظلمهم للناس.
يا أمتنا العريقة اتحدي، ويا أبناء مصر توجهوا للظالمين بوعيكم، وارفضوا الظلم، وأقيموا دولةَ الحقِّ في قلوبكم تقم على أرضكم.
ويا أبناء وادي النيل: إن سيناءَ تُناديكم، وتعميرها وتنميتها لما فيه خير مصر أصبح واجبًا عليكم حكومةً وشعبًا.
إن ترك سيناء هكذا جريمة في حقِّ الوطن سوف تُسائلنا وتُحاسبنا عليها الأجيال والتاريخ، فسيناء فيها من الكنوز الهائلة والإمكانات العظيمة ما يحتاج إلى كل الجهود والطاقات، ومن قبل ذلك وبعده العزيمة القوية والهمة العالية والإرادة الصلبة التي لا يتطرق إليها ضعف ولا يخالطها عجز.
إن الحكومة المصرية مُطالَبة اليوم قبل الغد بوضع إستراتيجية تعمير وتنمية سيناء ضمن أولى أولوياتها ورصد كلِّ الخطط والبرامج والمشروعات للاستفادة القصوى من سيناء ضمانةً للأمن القومي من ناحية وتقدم مصر ورقيها من ناحيةٍ أخرى.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية21).