همم في المسارعة والسبق والاستقامة والتدافع وفي مراتب القبول
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ إن رمضان هو النفحة الإلهية الكبرى الرحيمة التى يمنحها الله لعباده كل عام؛ ليتوب عاصيهم، ويفيق غافلهم، ويتذكر ناسيهم، ويزداد الذين آمنوا إيمانا.إن مدار الأمر بالنسبة للعبد المؤمن في شهر رمضان يدور حول ضمان القبول في مدرسته الإيمانية، واعتلائه منصة التتويج في نهاية تربصه المغلق؛ ليكتب في قوائم المرحومين والمقبولين والمعتوقين، ويعلن فائزا متوجا؛ ليتداول اسمه في الملأ الأعلى، وهو شرف ما بعده شرف، يتمناه كل مؤمن صادق الإيمان، لأن ذلك علامة علو المقام، وارتفاع المنزلة عند المولى عز وجل، وقد كان هذا التشريف (ذكر الاسم في الملأ الأعلى) مبتغى الصالحين، ومرتجى السائرين إلى الله؛ لأنهم يدركون قيمته، ونفاسته، ويعرفون فضله، ونتيجته، ومنتهاه؛ لذلك لمّا نزلت : ((لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب )) إلى آخرها ، قال جبريل : يا رسول الله ، إن ربك يأمرك أن تقرئها أُبيا (أي ابن كعب).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيّ: ((إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة )).
قال أبيّ: وقد ذكرت ثمّ(أي هناك في الملأ الأعلى) يا رسول الله ؟ قال : نعم.
فبكى أبيّ .
(رواه أحمد).
وللوصول إلى هذا التتويج، وتحقيق هذه الغاية في موسم الخيرات هذا، لا بد من السير والتحليق العملي بصدق وإخلاص وعزم وإرادة وتصميم، في مراتب الصعود في مدارج القبول في مدرسة الثلاثين يوما، وتخطّيها بنجاح مرتبة مرتبة من مرتبة بلوغ الشهر وشهوده للوقوف في نهاية المطاف على منصة الفوز والقبول.
وهذه المراتب هيي : 1-مرتبة الشهود"بلوغ الشهر".
2-مرتبة التذوق"من العبادات والرحمات".
3–مرتبة التعرّف.
4-مرتبة التيقظ.
5-مرتبة الاعتراف"بالتقصير".
6-مرتبة التنقي (التخلية).
7-مرتبة الاغتراف “من الطاعات”.
8- التطلّع"إلى المغفرة".
9- مرتبةالتوفيق "بالعتق".
10– مرتبة القبول.
وبالطبع لا تشغلنا فريضة عتق رقابنا من النار عن واجبنا تُجاه حال الأمة؛ فالتربية الذاتية هي الزاد، وما نعيشه هذا العام من أجواء غير معهودة على مستوى الفرد و المجتمع و الأمة فقد كثر الفساد و المفسدين و الضالين و المضلين و الكاذبين و المكذبين و الظلم و الظالمين و اضطهاد للمسلمين في كل صوب و حين و امتلأت السجون و خربت الديار و انتشرت الحروب و عم البلاء وزادت الأوبئة و انتشرت الأمراض الفتاكة و ساد الذعر في المسلمين و غير المسلمين و كل هذا من فعل الإنسان و غياب الإسلام ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ (الشورى:30-31) ورياح التغيير عارمة تعم واقعًا مريرًا بالإزالة والتغيير، لتخلِّص الناس من ظلم دام عشرات السنين والأعوام، و يأبى الله إلا أن يأتيه العباد إما طوعا أو قصرا .
وإذا كان الله قد جعل لنا في أيام دهرنا نفحات، فإن هذه النفحات ليست الأزمنة المباركة كرمضان وعشر ذي الحجة فحسب.
، بل هي كذلك الأيام التي تضم أحداثًا هامة و تشكل علامات فارقة في تاريخ الأمة و تنقش في وعيها علامات بارزة،ومنها هذه الفترة الزمنية التي تزخر بالثورة على كل باطل، والبطش بكل انحراف، لذا كان تغيير النفس هذا العام تناغمًا مع حركة الكون من حولنا وانسياقًا مع التيار السائد، ومن هنا كان أيسر وأوجب.
أيها الإخوان نريد هذا العام رمضان "مسارعة سبق استقامة تدافع" يبدل حالا بحال.
ويقلب الأحوال ظاهرًا لباطن.
نعيد الأمور إلى نصابها.
و نرجِع الحق سيدًا ليرتدَّ الباطل ذليلاً خاسئًا ألا تحب أن تصير منبع النور وصانع النهار.
.
أن يقذف في قلبك حب الخير ونفع الغير، ولو كانوا مع تعرف ومن لا تعرف بل ومن لا تحب.
أن تتسلم زمام القيادة و تتعلق بالعرش،و تطمع في مجاورة نبي أو شهيد.
، و تطوف حول مصالح الأمة لا السعي على اللقمة، ثم يكون هذا عملك و وقتك وجهدك.
و تخلق لنفسك فرصا سانحة ورحلة حياة رائعة لنيل ثواب الصابرين في رضا رب لطيف وهاب.
فما عليك اليوم إلا أن تنتفض عملا وبذلاً.
شوقا إلى الجنة.
فزعا من النار؟!! فقد واتتك الفرصة لتمنحك هذا الأمل فإن ظللت تعيش عيش العجائز، وتلازم كل عاجز ف.
.
كيف أعذرك!! رمضان هذا العام هو مسارعة سبق استقامة تدافع رمضان مسارعة إلى التوبة و العودة و التضرع إلى الله ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران:133) نسارع بالتوبة من تكرار الذنب و عدم الحزن عليه بالمجاهرة و الفخر، نتوب من عهد على الاستقامة على طاعة الله، ثم النكث و الغدر، نسارع بالتوبة من إصرار على الصغائر، ومن إطلاق بصر إلى المنكرات و الشهوات دون وازع أو حذر، نسارع بالتوبة من فاكهة الغيبة، وتأخير الصلوات، و اتباع الشهوات، نسارع بالتوبة من مجاورة العاصين وصحبتهم، و اختيار على أساس غير الدين، نسارع بالتوبة، من ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إرشاد الناس لخير دين، نسارع بالتوبة من إهمال فعل الصالحين المصلحين القائمين على حدود الدين مسارعة في التعود على فعل الخيرات، وهجر المنكرات فإن لم نستطع بالتكلف ففعل الخير عادة .
مسارعة في التنافس مع الغير، فقد يسبق العبد غيره في الآخرة بفارق عمل يوم واحد، بل بعمل ساعة، بل بعمل لحظة، فمن نافس اليوم في الخيرات كان السابق لغيره غدًا في درجات الجنات، وتقدَّم الصفوف يوم القيامة ناحية الحوض، ليكون أول من يحظى برؤية نبي المكرمات.
وقد حذرنا النبي فقال (لا يزال قومٌ يَتأخَّرون حتى يُؤَخِّرَهُم الله ) يؤخِّرهم الله عن رحمته.
عن عظيم فضله.
يؤخِّرهم عن لذيذ عفوه.
يؤخِّرهم عن دخول جنته.
سارع برفع أفضل أعمالك –فرسولك كان يحب أن يقول ( فأحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم ( فسارع في عملك الصالح يكن لك شفيعا مع الصيام و أدعى للقبول و صلاح قلبك سارع بإلانسحاب من حزب الغافلين ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ ( الأنبياء:1) سارع فالعمل وقت الغفلة محبوبٌ عند الله تعالى؛ فإذا قام المؤمن في الوقت الذي نام فيه غيره أدرك ما لا يدركه الكسالى والراقدون، فلا يستوي من آثر الوسادة ومن وثب إلى العبادة، و العمل وقت غفلة الناس أعظم أجرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون ) و هم الغرباء الذين أخبرنا الله بهم (الذين يُصلحون إذا فسد الناس ) و هو أيضا يدفع البلاء ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ (البقرة :251) قال فيها ابن عباس يدفعُ الله من لا يُصلي بمن يُصلي، سارع بالنية وانوِ بعملك الصالح تعجيل توبتك؛ لأن (تأخير التوبة ذنبٌ تجب له التوبة) وتوبتك اليوم ليست ككل توبة، بل إنها نية توبة لا انتكاسة بعدها، توبة تنافس بها جموع الصالحين فتسبقهم، توبة تزاحم بها أكتاف الصحابة على أبواب الفردوس، توبة لم تتب مثلها قبل اليوم.
و رمضان هذا العام سبق و سباق في أداء الفرائض من ترك المحرمات أولا من أكل حرام.
و نظر حرام.
ومشي حرام.
ولباس حرام.
ومال حرام.
.
وفعل الواجبات ثانيامن صلاة.
وزكاة.
وصلة أرحام.
وبر والدين.
وغيرها.
وهذا هو الأساس الذي تبني عليه السباق، وفرض عين عليك أن تراجعه فابدأ اليوم بضبط فرائضك، وكن وقّافًا عند حدود الله تعالى، وتُب إلى الله مما نظرت إليه عينك من الحرام،واستمعت له أذنك، وامتدت إليه يدك، وسعت له رجلك، وتذكر أن الله تعالى يغار، وغيرته أن تُنتهك محارمه.
و سابق في قراءة القرآن اتلُه و تغنّ به و تدبر آيه، و راجع حفظ ألواحه، واستمتع وأرح قلبك بالإستماع لآيه وليكن سباقك من قراءة القرآن هذا العام إضافة إلى الاستكثار من الحسنات الخروج بعمل جديد لم تعهده من قبل، يكون ثمرةً لتدبر آية وخشوع سورة، وعلى أساس العمل بالقرآن تتفاوت مقادير الرجال وتختلف أوزانهم؛ فكما قال لنا عمر بن الخطاب (لا يغُرَّنكم من قرأ القرآن، فإنما هو كلام يُتكلم به، ولكن انظروا من يعمل به) وليكن كذلك من نواياك أن تصلح نفسك وغيرك لأن نور الوحي إذا بزغ من القلب عمَّ الجوارح، ولتكن أيضا سباقا في سلامة الصدر ففي ليلة القدر يغفر الله لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن فتفقد نفسك، وفتش باطنها، خشية أن تكون قد ابتليت بشيء من الشرك الجلي أو الخفي، فكان رسول صلى الله عليه وسلم يخاف علينا فيقول (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ).
قالوا: وما الشرك الأصغر؟! قال:0(الرياء) و أنظر إلى داخلك من حقد و بغضاء لمسلم لهوى نفسا فإنها تمنع المغفرة خوفا عليك من أن يغفر لكل عبد إلا أنت فيقال ( انظروا هذين حتى يصطلحا )هل من نعيم أجمل من سلامة الصدر؟ ألم يأتك خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: أي الناس أفضل؟! فقال )كل مخموم القلب صدوق اللسان .
) قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال:(هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد).
سابق فقد دهمنا الوقت!! لم يبق في حياتنا الكثير فالموت يتخطف العباد من حولنا.
أيام قلائل.
ساعات معدودة.
دقائق دقائق.
لم يبق في العمر متسع لمزيد من الغفلة.
الغفلة عن المصير.
موت .
فقبر.
فنشور.
.
فموقف .
.
فسؤال وحساب .
.
و إما إلى جنة و إما إلى نار .
سابق صغِّر عملك الصالح في عينك يسهل عليك أن تؤديه بكل سهولة ويسر.
سابق فأمامك فرصة أغلى من الذهب، قد لا تتكرر في حياتك مرة أخرى.
سابق افحص بضاعتك، واعرف وزنها جيدًا قبل استيفاء الثمن، فالناقد بصير، والميزان لا يظلم مثقال ذرة.
اللهم.
اللهم اللهم بلغنا رمضان.
و تسلمه منا متقبلا سابق في الخيرات و عمل الصالحات و عمل البر كثير و لا ينتهي و اجعل لك و ظائف جديدة، و دورًا غير مسبوق.
تعمل به لتغيير نفسك و دعوة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11) تغيير يقود إلى تغيير الأمة بأسرها، ألا ترى.
ما حلَّ بأمتنا؟ ألا نمتلئ غيظًا من الدم المهراق على أرض المسلمين؟! ألا يؤرِّق منامنًا الأقصى الأسير المهدد بالهدم في كل لحظة؟! ألا نحترق كمدًا لرؤية تخلفنا في المجالات كافة: الاقتصادية والاجتماعية وتزايد حالات الانتحار والاكتئاب.
والسياسية حيث معاداة الشقيق وموالاة العدو، وارتفاع صوت أسلحة الشجب والتنديد في مواجهة أسلحة الفتك والتدمير.
سابق في تغيير العادات و خاصة العادات السيئة التي أضرت بدينك أو دنياك أو بهما معًا، فحرمتك من خيرات كثيرة وبركات وفيرة و العبادات من شعائر الله التي يتقرَّب بها العبد إلى ربه أو المحرَّمات التي يتقرَّب العبد إلى الله بهجرها و كذلك عبادة القلبيات وتشمل عبادات القلوب جليلة القدر عظيمة الأجر من خشية ومراقبة ورضا وصبر وغيرها.
و كذلك العلاقات وتشمل علاقاتك بأهلك وجيرانك وأصحابك وأقرانك، ومن تعرف ومن لا تعرف بل والمسلم وغير المسلم.
و لا تنس القناعات وتشمل كل قناعة خاطئة، وفهم مدمِّر، وفكرة هدَّامة غزت القول وصارت جزءًا من ثقافة .