الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

وضوح ومكاشفة .. ودعوة للعمل

وضوح ومكاشفة .. ودعوة للعمل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

منذ أعلنت جماعة "الإخوان المسلمون" عن غايتها، وآمنت بأهدافها، وانطلقت في إصلاح أمر أمتها، وهي في محنٍ واختبارات لا تطيقها الجبال الرواسي قاربت على المائة عام، فكان ابتلاؤها في أرواح الشهداء من خيرة أبنائها، ثم في أعمارهم التي قضوها في السجون، ثم في غربتهم وبُعدهم عن ديارهم وأبنائهم، ثم في التعرض للانتقاص من الأنفس والأعراض عبر الدعاية السوداء في إعلام الدجل والعار، ناهيك عن العزل من الوظائف وسلب الأموال بغير حق، كل هذا وفوقه تحمله الإخوان طوال تسعين سنة بنفس راضية محتسبة، ترجو الثواب وتدعو للمخطئ، وتسأل الله هدايته.

 

لكن الابتلاء الأصعب هو ذاك الذي أتى من داخل الجماعة، لأنه بمثابة إيذاء العين والأذن لصاحبهما، فلا هو قادر على تحمل ألمهما، ولا هو مطيق لفراقهما، حدث هذا مرات ومرات في تاريخ الجماعة، بدءً من مؤسسها إمامنا الشهيد عليه رحمة الله، وانتهاءً بأيامنا هذه، وكانت في كل مرة تنتهي بحفظ الله للجماعة بعد اختبار أصحابها في فهمهم وإخلاصهم وثباتهم وأخوتهم، وفي وفائهم بكافة أركان بيعتهم، وستنتهي هذه الأزمة بحول الله كما انتهت سابقاتها، إن لم يكن من أجل صدق القائمين عليها، القابضين على جمرها، فمن أجل من ضحوا بأرواحهم في سبيلها.

لكن المحزن في الأزمة الأخيرة أنها جاءت في وقت لا تزال فيه جراحنا نازفة، وإخواننا أسرى يرتقون شهداء كل حين، ومعاناة إخواننا وأخواتنا في الداخل تخجل كل ذي دين أو نخوة، ثم عم البلاء وطم بما حدث من إخوانهم بالخارج من أمر الخلاف والشغب على قيادتهم، بدأها إخوان لنا - ذوو فضل وسبق وتضحيات لا يجحدها إلا مكابر - ولكن غفر الله لنا ولهم- بدأوها بادعاء العدوان على المؤسسية وعدم احترامها، واتهامات معلبة جاهزة تدع الحليم حيرانا مما يُحيِّر كل ساع في أمر الإصلاح.

 

والأشد حزناً في الأمر، أن جذوة الاتهامات يشتد إوارها وتستشري نيرانها كل يوم، وينفخ فيها بشكل مريب، فمن اتهام للقيادة بحرف بوصلة الجماعة خلف قيادة تاريخية خرجت منها ولم يتبعها أحد يذكر، إلى اتهام ثانٍ للقيادة ببيع قضية المعتقلين ورهن أمرهم للأنظمة، إلى اتهام ثالث برهن الجماعة لمن ينفق عليها وإخراج قرارها من يد أصحابها، إلى اتهام رابع شخصي للقائم بالأعمال بتبعية رأيه لمن حوله، إلى اتهام خامس على النقيض منه بأنه منفرد بالرأي حتى إنه ليحرم الدعوة من مشورة ذوي الرأي وأصحاب السبق والفضل، إلى غير ذلك من تهم لا ندري أولها من آخرها؛ تلقى على المسامع «ومن الصفحات المشبوهة» وفي طريق العاملين الذين يريدون الانطلاق بالدعوة من وهدتها التي حبست فيها سبع سنين عجاف.

 

اتهامات يتعجب منها إخوان الدنيا من جيل الإمام الشهيد، وجيل ٥٤، وجيل ٦٥، ومن بعدهم ممن مروا على الفتن، وخبروا الملاحم والوقائع، وعرفوا الحق وعلموا أقدار الرجال.

 

ثم تتوالى الوفود من جميع أرجاء المعمورة، ممن أهمَّهم أمر الأزمة ويريدون رأب الصدع، وما إن يخرج الوفد من عند إخواننا، إلا ويفاجئون بأمور تهدم ما جاء الوفد من أجله، من عزل غير مسبوق للقائم بأعمال المرشد وتعيين قيادات جديدة لهم، ومحاولة انتخاب رابطة موازية، أو متحدث إعلامي جديد.. حتى قال أحد الوفود: منذ ساعات كنا نجلس مع إخواننا فهشُّوا لنا وبشُّوا حتى ظننَّاهم قبلوا خطة صلحنا، حتى إذا ما وصلنا إلى المطار قرأنا ما يهدم ما جئنا من أجله، فعلمنا أن القوم سائرون فيما بدأوه!!

 

كل هذا يهون بجوار تأليب إخواننا في الداخل، وإيغار صدورهم علينا، والله يعلم أننا ما غمطناهم حقًا، ولا قللناهم شأنًا، لكننا كنا نجنبهم الأذى، ولا نريد أن نساهم بسبب اختلاف أيا كان سببه في زيادة البلاء وفتح نيران الأذى عليهم أكثر مما هم فيه.

ثم فوجئنا بأن من ائتمناهم على التواصل معهم إذا بهم يُبغِّضوننا إليهم، انتصاراً لرأيهم وزيغاً عن مهمتهم المكلفين بها، ووالله ما رأينا مثل هذه الأخلاق منذ أكثر من ستين سنة عشناها في هذه الدعوة، ونسأل الله حسن الخاتمة عليها.

 

أيها الإخوان..

 بعد انتظار زاد عن مائة يوم فتحنا فيها -ولا زلنا- صدورنا وقلوبنا لإخواننا، فلم يزدهم طول المدة إلا إصرارًا على الانقسام، ولا سعة الصدر إلا إسراعًا فيما بدأوا فيه، حتى إنهم أسسوا -طوال هذه المائة يوم وزيادة- لمسميات موازية للجماعة، يحسبون الاسم فيها يُغني عن المسمى، لكنهم فوجئوا بوعي الإخوان وفهمهم وصحوتهم في كل الدنيا، حتى إننا لتأتينا البيعة من أماكن ما كنا نظن أصحابها يستطيعون الوصول إلينا، ووالله لقد قضينا الساعات الطوال، والأيام الثقال، نستحلفهم بالله، ونذكرهم بعهد الأخوة، وسنين المِحَن، أن يرجعوا وألا يدعوا للشيطان مجالاً للنزغ، ولا للظَّلَمة طريقًا للتفريق بيننا أكثر من ذلك، ونشهد الله الذي يعلم أننا لم نكن أصحاب ظاهر وباطن، فظاهرنا كان الصلح ولم الشمل ورأب الصدع، وباطننا كان كذلك، لكنهم أبوْ إلا قسمة وفرقة ..

فقلنا لهم: هذا فراق بيننا وبينكم حتى تراجعوا أنفسكم وأركان بيعتكم، نقصدهم بأعينهم وشخوصهم نصحاً صادقا لهم، ولا نقصد بعض الإخوان الذين صدّقوا اتهاماتهم فتبعوهم، داعين الله تعالى أن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، فأنتم أحبتنا، ولكن الحق الذي بايعنا عليه وعشنا له ونسأل الله أن نلقاه عليه أحب.

 

أيها الإخوان..

إن الأخوة الإسلامية فريضة لا يجادل فيها أحد ولا يزايد عليها أحد، تؤلف بين السعداء من أبناء هذه الأمة، وأخوة العمل للإسلام، اصطفاء رباني لأهلها لا يستطيع أحد أن يمنحها لأحد أو ينزعها عن أحد، جعلنا الله وإخواننا منهم، وجمع الصادقين منا في ساحات عزة الإسلام والأوطان، ولكن وضوح طريق العاملين في هذا الصف المبارك وفق أركان بيعتنا والفهم الذي قدمه الإمام المؤسس على الإخلاص واجب، ووضوح المواقف والمكاشفة واجب، والحذر من الخلط بين الادعاء والحقيقة واجب، وبين سالك طريق الدعوة وناكبه واجب، وبين العواطف الطيبة واستقامة السلوك واجب، والتمييز بين من يتمسك باللوائح والشورى حقاً وبين من يتمسح بها أو يتأولها حسب ما يحب واجب، والأشد وجوبا هو أن ننصرف للعمل وندع الجدل الذي لا يأتي بخير كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصانا إمامنا الشهيد رحمه الله.

 

وأختم فأقول:

أيها الإخوان.. التفتوا للعمل، ودعكم من الجمود وإضاعة الأوقات وإيغار الصدور، وعودوا لميادين دعوتكم التي شغلتكم عنها البيانات والردود، والتي لو كان فيها خير، لو بذل معشار الجهود التي تبذل فيها في الدعوة والعمل لما وصلنا إلى ما نحن فيه!

عودوا للأمة التي يعبث عدوها في معتقداتها وقيمها وأخلاقها وشبابها وأدركوها فهي والله أحوج ما تكون إليكم، وأحسنوا حلقات التربية وليالي التزكية واستمطار رحمات الله ومغفرته على ما فرطنا في جنبه وفي حق دعوته، ودعوا أمر إخواننا لله.

 

وعهدنا بالله أنه لن يحرم سليم القصد صحيح النية من الرشاد وإن أخطأ أول الأمر، أما معلولها فقد كفانا نفسه.

حفظ الله الإخوان أينما كانوا، ونفع بهم دينه، وفك أسر أسيرهم، ورد شاردهم، وأصلح كبيرهم وصغيرهم.

والله أكبر ولله الحمد

 

أخوكم

إبراهيم منير

نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون" والقائم بالأعمال

الجمعة ٣ رجب ١٤٤٣هـ؛ الموافق ٤ فبراير ٢٠٢٢م