الحاضنة الشعبية بين طوفان الأقصى... والربيع العربي
بقلم د. حلمى الجزار مسؤول القسم السياسي لجماعة الإخوان
شهدت المنطقة العربية فترتين مهمتين ؛ هما: طوفان الأقصى والربيع العربي، وهما مرحلتان تاريخيتان شكلتا تحولات عميقة في المنطقة، وشهدتا نضالات شعبية واسعة النطاق. تؤدي الحاضنة الشعبية دورًا حيويًا في هاتين الفترتين، حيث ساهمت في تنظيم النضالات الشعبية، وتشكيل الوعي الجماعي، وأثرت في توجيه التغيير وتحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية. فالحاضنة الشعبية تعد إحدى الظواهر الاجتماعية والثقافية التي تقوم بدور مهم في تحرير الأوطان ونضال الشعوب من أجل الحرية والاستقلال.
وتعد منبرًا للتعبير عن الثقافة والتاريخ والهوية الوطنية، بتوفيرها بيئة لتبادل الآراء والمناقشات حول القضايا السياسية والاجتماعية؛ المحلية والوطنية. يتعلم فيها الأفراد من بعضهم البعض، ويتبادلون المعارف والتجارب، بما يعزز التحرر الفكري، والوعي السياسي والاجتماعي. مما يسهم في تعزيز الهوية والانتماء والعمل الوطني المشترك، من خلال تشجيع الأفراد على الاهتمام بشؤون بلدهم، والعمل من أجل تحسين أوضاعها. والتداعي لأداء دور في خدمة المجتمع، يزيد من تقدم الوطن ونهضته.
هكذا كان دور الحاضنة الشعبية في ملحمة طوفان الأقصى؛ كان له أثر في تنظيم النضالات والاحتجاجات . وفي ظل التوترات العالمية، قامت الحاضنة الشعبية بدور مهم في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات ضد الاعتداءات الهمجية على الشعب الفلسطيني.
وأدت دوراً مهماً في تغيير وإبطال السردية الإسرائيلية التي كانت تسوقها الدعاية الصهيونية طوال الفترات السابقة، وبناء سردية جديدة أثارت تعاطف شعوب العالم معها، ودعمت حركة التحرر الوطني والمقاومة.
نعم.. لقد قدمت الحاضنة الشعبية للمقاومة في قطاع غزة وفلسطين نموذجاً فريداً من الصبر والصمود والتمسك بخيارات الشعب الفلسطيني في التمسك بأرضه وداره والتفافه حول مشروع التحرر الوطني مهما كلفها من تضحيات. فقدمت نموذجاً مذهلاً أكسبها تعاطفاً شعبياً كبيراً في جميع المجتمعات الإسلامية والعربية والغربية، حيث رسمت الدور الحقيقي لأصحاب القضية، وكان لها تأثير كبير في دعم حركات المقاومة باعتبارها الأمل في التحرر الوطني.
فبرغم القتل والتشريد والدمار الذي مارسته الآلة الصهيونية لأهل غزة، لم يخرج الشعب متضجراً، ولم يقبل التهجير القسري، وأفشل مخططاته. فكانت الإسناد الحقيقي والأهم للمقاومة. فإن الجيوش لا تذهب إلى الحروب منفردة، بل لابد لها من دعم معنوي شعبي؛ أو رأي عام مؤمن بقضيتها، يعمل على صبغ شرعيتها، وإسنادها في أثناء الحرب، فيحارب الجندي وهو في مأمن من الغدر أو الخيانة.
كما أثرت الحاضنة الشعبية الفلسطينية تأثيراً واضحا على شعوب دول الربيع العربي التي -برغم آلة القمع وشيوع الاستبداد- ما زالت تحتفظ بذات الوعي في القضايا الكبري للأمة الإسلامية، فانتفضت مع سيف القدس تارة، ومع طوفان الأقصى تارة أخرى. ولولا آلة القمع الشديدة التي تمارسها الأنظمة العربية لوجدنا الزحف لنصرة القدس وغزة، ضد العدوان الهمجي الإسرائيلي مخترقاً للحدود وكاسراً للحواجز، والأطر المرسومة.
وقياساً على نموذج الحالة الفلسطينية لن تستطيع كل قوي المعارضة في البلدان العربية أن تكسر الاستبداد، وتغير الواقع الحالي نحو الحرية والديمقراطية، إلا بحاضنة شعبية، تكون هي الذراع نحو مقاومة الاستبداد والفساد داخل الأنظمة الحالية، ولن تستطيع جيوش العالم، أن تواجه الشعوب مهما بلغت قوتها، حتي وإن تغلبت عليها في فترة معينة، إلا أن الصراع بين الشعوب والأنظمة المستبدة سيظل مستمرا، وإن خفت لبعض الوقت.
وعلى الراغبين في التغيير العمل على التواصل مع الشعوب، وبناء حاضنة شعبية، وصياغة أحلام الجماهير في مشروعات تلتف حولها؛ ليكون لهم دور في مواجهة الاستبداد، ورسم خريطة المستقبل لأجيال تستحق العدل والحرية والرفاه، وأوطان عزيزة قادرة آمنة مطمئنة.