مصر ومتطلبات التغيير السياسي
بقلم: د. عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
عشر سنوات مرت على الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في الثالث من يوليو 2013، عانت خلالها البلاد من انهيارات متتالية على مستوى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، الداخلية والخارجية، وتعرضت فيها البلاد للعديد من الأزمات التي فرضت تداعياتها وتحدياتها على مختلف المستويات، وأصبح التغيير السياسي مطلباً حتمياً في ظل ما تكشف عنه الوقائع الميدانية على الأرض وعشرات التقارير والدراسات العلمية الصادرة عن مؤسسات فكرية واقتصادية وحقوقية دولية. إلا أن عملية التغيير السياسي، حتى تتم بشكل فاعل، وتنتج آثارها المنشودة، ولا تتعثر كما تعثرت محاولة التغيير في الخامس والعشرين من يناير 2011 - تتطلب عدداً من الشروط والمتطلبات الأساسية، يمكن التطرق إلى بعضها بإيجاز، في حدود المساحة المخصصة لهذا المقال، على النحو التالي:
أولاً: المشروع السياسي:
الذي يتناول بوضوح وموضوعية رؤية ورسالة القائمين على التغيير، والأهداف الأساسية التي يسعون إلى تحقيقها، والأدوات التي سيتم الاعتماد عليها لتحقيق هذه الأهداف، وبيان الإمكانات والقدرات المطلوبة لذلك، وكذلك طرح عدد من أوراق السياسات التي سيتم تبنيها لمعالجة الانهيارات والتحديات التي تواجه الدولة والمجتمع في المرحلة الانتقالية، ثم في المراحل التالية لها.
ثانياً: القيادة السياسية:
لا يمكن لأي مشروع سياسي أن ينجح في تحقيق أهدافه دون أن تكون هناك قيادة سياسية تتمتع بالدعم والتأييد والمساندة الشعبية، هذه القيادة قد تكون شخصاً يتمتع بكاريزما سياسية حقيقية قادرة على الحشد والتعبئة خلف المشروع السياسي، وقد تكون نخبة سياسية تشكل مجلساً رئاسياً يضم عددا من الشخصيات ذات الخبرات والقدرات المتنوعة، المدركة لحجم وخطورة التهديدات التي تواجه الدولة، والقادرة على التوجيه الدقيق للموارد والثروات والإمكانات المتاحة نحو إدارة هذه التحديات بكفاءة وفاعلية.
ثالثاً: الحاضنة الشعبية:
إذا كان التغيير السياسي المستدام في حاجة إلى مشروع سياسي وقيادة سياسية - فإن هذا المشروع وتلك القيادة في أمسِّ الحاجة إلى حاضنة شعبية تشكل النواة الصلبة التي تحمل عبء الدفاع عن المشروع وتأمين القيادة؛ حاضنة شعبية من كل فئات الشعب وتياراته السياسية، وليست حكراً على تيار واحد أو اتجاه سياسي واحد. حاضنة شعبية تمتلك وعياً سياسياً راشداً تجاه القضايا الوطنية، وقادرة على تجاوز الانقسامات والصراعات البينية التي عمل النظام القائم على ترسيخهاً، سياسياً ومجتمعياً، حتى يضمن السيطرة والهيمنة ويتحكم في توجيه الرأي العام نحو قضايا فرعية هدفها الإلهاء والإشغال بعيداً عن قضايا الوطن الكبرى.
رابعاً: المؤسسية السياسية:
يُقصد بالمؤسسية هنا مستويان أساسيان: الأول قانوني تشريعي، يشمل تصورات واضحة ومتكاملة للقوانين والتشريعات التي يجب سنها أو تلك القائمة التي يجب حذفها أو تعديلها، وخاصة في ظل ترسانة ضخمة من القوانين والتشريعات التي سنها النظام القائم لترسيخ هيمنته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإعلامية على مدى السنوات العشر الماضية، ومنذ اليوم الأول للانقلاب العسكري، والعصف بدستور 2012.
المستوى الثاني، من مستويات المؤسسية، تنظيمي، ويتمثل بدرجة أساسية في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز البحث والفكر ومؤسسات التدريب والتأهيل، وكذلك شبكة واسعة من المؤسسات والكيانات الإعلامية والاقتصادية، التي تشكل نقاط ارتكاز أساسية لتنظيم المجتمع وجهوده وقدراته، ومأسسة عمليات التغيير السياسي، حتى لا تتسم بالعشوائية وعدم الاستمرارية.
على أن تكون هذه المؤسسات وتلك الكيانات ممثلة لمختلف التيارات، دون إقصاء أو تهميش، في مرحلة تتطلب فيها الدولة حشد وتعبئة كل القدرات لإدارة الأزمات ومواجهة التحديات التي أفرزها ورسخها النظام الحاكم منذ 2013.
خامساً: الكوادر البشرية:
من بين الشروط الأساسية لإدارة عملية التغيير السياسي امتلاك الكوادر والخبرات البشرية السياسية والاقتصادية والإعلامية، بل كذلك الأمنية والعسكرية، القادرة على التعاطي مع متطلبات المرحلة الراهنة، وهذا لن يتحقق دون وجود مؤسسات تدريب وتأهيل تدرك الاحتياجات الحقيقية لهذه المرحلة وتعمل على توفيرها، في إطار من التنسيق والتعاون مع المؤسسات السياسية والاقتصادية والإعلامية الساعية للتغيير السياسي في مصر.
سادساً: تحييد العامل الخارجي:
للعامل الخارجي تأثير كبير في معادلة التغيير في مصر، نظراً للعديد من الاعتبارات، من بينها المكانة الاستراتيجية لمصر في المعادلات الإقليمية والدولية، ومحورية دور قناة السويس في التجارة الدولية، وكذلك رهانات العديد من الأطراف على المؤسسة العسكرية في مصر، ودورها الوظيفي في العديد من الأزمات والصراعات في المنطقة، هذا بجانب أمن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك أمن البحر المتوسط، وملف الهجرة غير النظامية بالنسبة للدول الأوربية، وبالتالي وجود شبكة واسعة من المصالح الاستراتيجية التي تربط بين النظام القائم والعديد من الأطراف.
الأمر الذي يفرض على قوى التغيير السياسي بناء رؤية واضحة حول قضايا السياسة الخارجية المصرية وعلاقاتها الدولية والاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها النظام الحالي، وكذلك حدود الدور المصري في المنظمات الإقليمية والدولية، وأن تعمل قوى التغيير على احتواء تأثيرات العوامل الخارجية على الأوضاع الداخلية في مصر أو على الأقل تحييدها في المرحلة الانتقالية من مراحل التغيير.
هذه الشروط وغيرها، تحتاج إلى تنظيم العديد من الفعاليات المباشرة، سواء ندوات أو مؤتمرات أو ورش عمل معمقة، للبحث في إجراءات وخطوات وأدوات توفير كل شرط من هذه الشروط، ومتطلبات توفيرها، حتى لا تجد قوى التغيير نفسها أمام تحديات أكبر وأعمق من تصوراتها، للوضع الذي وصلت إليه مصر على مختلف المستويات، وتجد نفسها غير قادرة على التعاطي معها، مما يجر البلاد إلى تحولات ومآلات تنال من أمنها واستقرارها، بل تنال من وحدتها أيضاً.