تفاقم الأزمة الاقتصادية بمصر وفقدان بوصلة التنمية
بقلم: الدكتور عبد الحافظ الصاوي
منذ عام 2013 ومصر تمر بأزمة اقتصادية حقيقية، وإن كان النظام ظل على مدار سبع سنوات، يحاول أن يصدر صورة على أنه قدم إنجازات في البنية الأساسية وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، على الرغم من تحذيرات الخبراء من أن أدوات النظام الاقتصادية معيبة من حيث التمويل، ومعالجات سعر الصرف، واحتياطي النقد الأجنبي، التي اعتمدت كلها على الديون.
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بمصر في عام 2020، وإن كان النظام يعلق سبب هذه الأزمة على أسباب خارجية، مثل جائحة كورونا أو التداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، ويدلل على ذلك تصريح السيسي الأخير «الأزمة الاقتصادية لم نكن سببًا فيها».
وحقيقية الأمر أن سوء استخدام الموارد الاقتصادية (الطبيعية، والبشرية، والمالية) ، وكذلك غياب مشروع للتنمية، هو ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بمصر؛ فقد أتيحت فرصة لمصر للحصول على المساعدات الإقليمية من دول الخليج عقب انقلاب 2013 قدرت بنحو 40 مليار دولار، فضلًا عن ودائع خليجية بنحو 12 مليار دولار في البنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي.
كما حصلت مصر على العديد من المساعدات الدولية، وأيضًا دخلت مصر في ثلاثة برامج مع صندوق النقد الدولي، مهد لها الحصول على تسهيلات ائتمانية بنحو 23.5 مليار دولار، وكذلك حصلت مصر على قروض عدة من البنك الدولي.
والفرصة الأكثر إتاحة، هي حالة الاستقرار التي فرضتها عصا الأمن على البلاد، وتعاون كافة أجهزة الدولة الإدارية مع نظام يوليو 2013، ولم يشفع هذا كله في تحقيق حالة نجاح اقتصادي، لا على مستوى معيشة الناس، ولا على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية.
فالبيانات الرسمية، تشير إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل كبير، وانعكس ذلك على مشكلة توفير النقد الأجنبي بوضوح، فالنشرة الإحصائية لشهر مايو 2023 توضح أن العجز في صافي الأصول الأجنبية للبنوك بلغ قرابة 25 مليار دولار في مارس 2023، وهذا ما أدى إلى تعقيد أزمة الدولار واستمرار تراجع الواردات السلعية، ونشاط السوق السوداء، وارتفاع معدلات التضخم.
وأيضًا في قضية الدين العام، عجزت الحكومة عن أن تقدم لها حلًّا، فكل ما تفكر فيه الحكومة، لايتعدى أن تحصل على قروض جديدة، وإن كان الثمن التفريط في المزيد من الأصول الرأسمالية للدولة، وتمكين الأجانب من مفاصل الاقتصاد المصري.
فأحدث البيانات تشير إلى بلوغ الدين الخارجي 163.4 مليار دولار في مارس 2023، أما الدين المحلي فالنشرة الإحصائية للبنك المركزي في مايو 2023، تبين أنه بلغ 4.7 تريليون جنيه في يونيو 2020، وإذا أضفنا العجز الكلي بالموازنة العامة للدولة لعامي 2020/2021 و2021/2022، فسنجد أن الدين المحلي عند حدود 5.7 تريليون جنيه.
ويترتب على قضية زيادة الديون بهذه القيمة غير المسبوقة، أن يحتل بند فوائد الديون أعلى المخصصات في الموازنة العامة للدولة، فمخصصات بند الفوائد المقدرة في موازنة 2023/2024، بلغت 1.12 تريليون جنيه، وبما يعادل نسبة 37.4% من إجمالي الإنفاق العام. وهو ما يعني أن المساحات المتاحة لصانع السياسة المالية ستكون محدودة في تمويل خدمات التعليم والصحة والبنية الأساسية.
حلقة مفرغة
لجأ النظام في فترة ما بعد 2013، لأدوات هشة، مثل التمويل عبر شراء الأجانب لأدوات الدين المحلي، أو التوسع في الديون الخارجية والمحلية، والدخول في مشروعات للبنية الأساسية أو مشروعات عامة - دون وجود دراسات جدوى، وهذا شيء مربك لأي اقتصاد، فما بالنا بالوضع في مصر التي تعد دولة نامية منذ ما يزيد عن 7 عقود، ولم يفلح أي الأنظمة السياسية التي مرت بها في الانتقال بها لمصاف الدول الصاعدة أو المتقدمة.
وبعد أن تعقدت الأمور، ورفض النظام نصائح الخبراء الاقتصاديين -حتى من أيدوا انقلابه العسكري في 2013- وجد النظام نفسه أمام معضلات، عجز النقد الأجنبي، وزيادة معدلات الدين بشكل كبير، وتفاقم معدلات التضخم، واتساع رقعة الفقر.
والمتابع لأداء النظام على الصعيد الاقتصادي يجد أنه يعيد نفس الأخطاء، من محاولات استجلاب الأموال الساخنة عبر شراء الأجانب لأدوات الدين الحكومي، وكذلك التوسع في الديون، واللجوء للمؤسسات المالية الدولية.
لم يتجه النظام لبناء قاعدة إنتاجية حقيقية، سواء من خلال القطاع الخاص أو القطاع العام، بل يستمر بالتفريط في المقدرات الخاصة بالدولة فيبيع نسب معتبرة من الأصول الرأسمالية، وأصبحت الشركات الأجنبية أو الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة عبئا على ميزان المدفوعات، فالبيانات الخاصة بالعام المالي 2021/2022 تظهر أن المستثمرين الأجانب أخرجوا 16.8 مليار دولار، أرباحهم خلال العام.
عناد وفساد
الخبراء الاقتصاديون المحليون، قبل الخبراء الأجانب ينادون بخروج الجيش من الحياة الاقتصادية المدنية، لأنه يزاحم قطاع الأعمال -بمكونيه العام والخاص- سواء في الحصول على المناقصات العامة، أو الحصول على التمويل من البنوك، وكذلك غياب المنافسة العادلة بين شركات الجيش وباقي الشركات في مصر، من حيث الضرائب والجمارك وتكاليف الإنتاج المختلفة، فضلًا عن عدم المساواة في الفرص في كافة مناحي النشاط الاقتصادي.
وإن كان النظام عبر وزيرة التخطيط د هالة السعيد، أو السيسي نفسه، يعلن غير مرة بأنه سيتم خصخصة بعض شركات الجيش، وبخاصة شركة الوطنية للمنتجات البترولية، أو شركة المياه المعدنية، في حين أن الواقع يشهد افتتاح الجيش للعديد من المشروعات، وهو ما يعد استهزاء بعقول الناس.
ولكن هذه المرة يُعلن أن صندوق النقد الدولي، يصر على خصخصة شركات الجيش، وتعويم الجنيه، وخصخصة المزيد من شركات قطاع الأعمال العام، وبينها بنوك وشركات رابحة.
صاحب هذا الأداء الفوضوي للاقتصاد المصري، والحضور القوي للجيش في مقدرات الاقتصاد الإنتاجية والخدمية والإدارية - أن زادت معدلات الفساد بشكل كبير؛ فحسب بيانات مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، ترجع ترتيب مصر إلى 130 من بين 180 دولة شملها المؤشر، كما حصلت مصر على 30 درجة في هذا العام من درجات المؤشر المئة.. بينما كان ترتيب مصر 96 في عام 2014 من بين 175 دولة، وكانت مصر قد حصلت في عام 2014 على 37 درجة من درجات المؤشر المئة. ولعل حادثة الطائرة التي ضبطت بزامبيا الشهر الفائت، وهي محملة بملايين الدولارات، وكميات كبيرة من الذهب، تعكس حالة الفساد بالدولة المصرية، وكذلك ارتفاع مستويات الاقتصاد الأسود.
فقدان الأمل
ليس قدر مصر أن تظل في أزمات اقتصادية واجتماعية، فاستمرار هذا الأمر، يفقد الدولة مكانتها الإقليمية والدولية، فضلًا عن ترشيحها للدولة الفاشلة بامتياز. فقدان الأمل هو السمة الغالبة، وبخاصة لدى الشباب، الذي أصبح راغبًا في الهجرة بشكل كبير، ولا أدل على استمرار نزيف هجرة الأطباء في الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات من عجز الأطباء وطواقم التمريض.
كما أن القطاع الخاص، أصبح يعاني من ركود دائم، حسب مؤشر مديري المشتريات، الذي يقيس أداء القطاع الخاص غير النفطي، ويخلص مع نهاية كل شهر إلى استمرار معاناة القطاع مع الركود، وذلك على مدار ما يزيد عن 5 سنوات ماضية. والمشكلة الأكبر، هي فقدان الأمل لدى شرائح كبيرة من المصريين بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولتهم التعايش مع الوضع القائم رغم قتامته، وينتظر الجميع مخرجًا ينهي هذه الحالة المعقدة.