الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

مقالات وآراء

باب للفكر والرأى والنقاشات الحرة. ينشر الآراء منسوبة لأصحابها...

وأخيرًا..

وأخيرًا.. "الطوفان" وقوة الفعل التاريخي د. هشام الحمامي

هشام الحمامي

منذ أكثر من مائة سنة، وتحديدًا منذ بداية الحرب العالمية الأولى 1914م، هناك صراعٌ ميداني كبيرٌ قائمٌ على أرض الواقع بيننا وبين الغرب، يمثل الغرب فيه الطرف الأقوى عسكريًا وعلميًا.

هذا الصراع اكتسب موضوعه أولًا وثانيًا وثالثًا من التاريخ؛ تاريخ خروج هذا الغرب من مصر والشام (634م)، وتاريخ الحروب الصليبية (1095م)، وتاريخ الدولة العثمانية (1453م) بكل ما مثلته من قوةٍ وعنفوانٍ وجبروتٍ تجاه شرق أوروبا، وتاريخ دولة الأندلس (1492م) في غرب أوروبا.

كان لهذا الصراع بُعدٌ هامٌ ومؤثرٌ يتصل بالمجال الفكري، وهو المجال الدائم الذي تُبعث منه حركة التاريخ في كل وقت.

وسوف يمتلك الشرق رؤيةً شاملةً وصلبةً وموضوعيةً وواضحة، مصدرها “الوحي الإلهي”، ولسوف تزداد صلابةً وقوةً كل يومٍ، بإزاء الإنسان، في تكوينه العقلي والروحي والجماعي، في حين أن الغرب، وعلى لسان الكثير من فلاسفته ومفكريه، قد أعلن انتهاء الفكر الديني، وحضوره في المجال العام!

الحركات الإصلاحية والمقاومة عبر التاريخ

رأينا “الحركات الإصلاحية” تخوض معاركها الكبرى على طول وعرض عالم الإسلام، إصلاحًا للإنسان في الواقع الصعب، ثم تطورت إلى جهادٍ ضد المحتل الأجنبي.

لقد كانت هذه الحركات عبر كل مراحل التاريخ هي الأب الشرعي لكل حركات النهوض، ولكل حركات المقاومة بلا منازع.

وليس ذلك فقط بسبب هذا الصراع الطويل، الذي احتدم مع الكنيسة عندهم منذ القرن السادس عشر، وليس فقط بسبب الثورة الصناعية، التي اكتسحت أوروبا من قلب إنجلترا، وليس فقط بسبب الاكتشافات البحرية، وبداية عهد الاستعمار واحتلال أوطان الغير ونهبها بدعوى “عبء الرجل الأبيض”.

ولكن لكل ذلك مجتمِعًا، ويضاف إليه ظهور اتجاه سياسي واجتماعي ليبرالي واسع، رافضٍ للدين بشدة، ومتشكيكٍ في مصداقيته، موهومًا بـ الاكتشافات العلمية الحديثة.

كما قال لنا د. برهان غليون (79 عامًا)، أستاذ علم الاجتماع السياسي في السوربون، في كتابه “اغتيال العقل”:

“إن هذه الاكتشافات أثرت على نظرة الإنسان لبدايات وجوده على الأرض! واحتل مفهوم الصراع من أجل البقاء، والحياة للأصلح، محلّ مفاهيم الرحمة والحب، التي كان يقوم عليها المجتمع الإنساني”.

كل هذه الأفكار أثرت على مفهوم “الأخلاق والإنسان”؛ فالذي يخاف الله، تختلف تصرفاته بالطبع عن الذي يرى أن البقاء للأصلح.

حين احتدم الصراع وبلغ أوج شراسته، وبدأ الغزو الغربي لديار الشرق، كان طبيعيًا أن تكون “الحركات الإسلامية الإصلاحية” في مقدمة المواجهة.

لقد كانت هذه الحركات موجودةً أصلًا في التنظيمات الصوفية والمجالس العلمية والأوقاف، وحتى في تنظيمات الحرفيين، كما يخبرنا الراحل الكبير الأستاذ طارق البشري

لقد أدركت هذه الحركات الابتعاد الكبير عن منهج الوحي، الذي قامت عليه الأمة، وتاريخها، وحضارتها.

وسوف تبدأ طريقها الإصلاحي الطويل بفكرة “الإنسان الصالح» في «البلد الصالح”، وكان طبيعيًا أن يكون “الوحي الإلهي» هو «نبع الينابيع» في فكر الإصلاح.

دار الزمان دورته، وفق سنن التاريخ، وعوامل التدافع الطبيعي، وموت القديم وميلاد الجديد، ووجدنا أنفسنا في منتصف القرن العشرين.

لقد كانت هناك خريطة جديدة للمشرق العربي، مقسمةً إلى بلدان تحمل في داخلها بذور أزماتها وآلامها، يحكمها ثوّار جدد، أغلبهم عسكريون، لم يكونوا بعيدين عن المحتل القديم (بريطانيا وفرنسا)، بل اقتربوا أكثر من المحتل الجديد (أمريكا)، تلك الدولة القارية الأولى في العالم، بجيوش هائلة وثروات هائلة وسرداب سياسي عميق وهائل.

لكن الجزء الأكثر أهمية كان “الدولة الصهيونية”، التي تم الإعداد الطويل لها لتكون في قلب هذه الخريطة، لتحقيق أهداف الغرب (تاريخية ودينية واستراتيجية).

وأهم جزء في هذا المشروع، أنه تم التفاهم مع الخريطة الجديدة في الشرق على وجود هذه الدولة!

“تلك الدولة الصهيونية لا تحتمل هزيمةً واحدةً في وجودها كله، وإلا فبداية الانهيار”.

ها هي الدولة الصهيونية، وها هي الهزيمة، وها هو وجودها يتآكل، وها هي بداية النهاية!

الأستاذ محمد حسنين هيكل، ورغم علمانيته الشاملة، كان يصف الحركات الإصلاحية بـ “ملوك المقاومة”.

وسواء كان هذا إقرارًا بحقائق التاريخ، أو تأثرًا بأصدقائه المقربين، مثل: الأساتذة طارق البشري، والمسيري وفهمي هويدي.  فقد كان للرجل اجتهادات استراتيجية بالغة الرقي والفهم والاستشراف.

الطوفان وإعادة ضبط التاريخ

الحاصل أن “ملوك المقاومة” قرروا أن يتدخلوا، ويدخلوا، ويبادروا، في وقتٍ بالغ الحرج، كان لا بد فيه من أن يقوم “أحدٌ ما» بالتدخل.

وبالفعل، قاموا بتعديل وتصحيح جوهري في «الفعل التاريخي”، ذلك الفعل الذي يتصل بطبيعة هذا الصراع التاريخي الطويل، والذي تم فيه استبعاد الإسلام بُخْبثٍ شديدٍ من المواجهة.

لقد كانت “الفكرة الدينية” هي سيدة الأفكار، في هذا الصراع، الذي طال 15 شهرًا، لحكمةٍ لا يعلمها إلا الخالق العلي الأعلى.

وها هي قد حضرت بقوةٍ في قلب هذا الصراع التاريخي الكبير بين الشرق والغرب.

لقد كانت “قوة الروح” التي جاء بها “طوفان الأقصى”.

لم تكن حرب غزة مجرد حلقة مستقلة من حلقات التاريخ، ولم يكن “الطوفان” إلا “أيقونة» احتوت على كل شيءٍ يتعلق بهذا الصراع. المصدر