الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

قضايا وملفات

يقدم رؤى وتقارير ومتابعات فى قضايا وملفات محل اهتمام...

فشل خطة الاستيلاء على السودان

فشل خطة الاستيلاء على السودان

شهد السودان في يوم 15 أبريل 2023 واحدة من أكثر المحاولات تعقيدًا للاستيلاء على السلطة عبر استغلال الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية الهشة في البلاد، خاصة في العاصمة الخرطوم. حيث كانت الخطة ترتكز على السيطرة على المواقع الاستراتيجية في العاصمة، التي درجت العادة أن تُحسم من خلالها الانقلابات العسكرية بالسودان، مع وجود نحو 60 ألف جندي من قوات الدعم السريع مقابل 30 ألف جندي فقط من القوات النظامية الأخرى (الجيش، الشرطة، والأمن).

تفاصيل الخطة

تضمنت الخطة التحرك عند الفجر، مستغلين العادات الرمضانية التي تدفع السودانيين للنوم بعد صلاة الفجر، خصوصًا في العشر الأواخر من رمضان. وكانت الخطة تتكون من بندين أساسيين:

  1. اغتيال الفريق عبد الفتاح البرهان، ومن ثم إعلان الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيسًا مكلفًا لمجلس السيادة.
  2. اتهام الحركة الإسلامية بتنفيذ الاغتيال، ومن ثم إصدار قرار بحلها وملاحقة أعضائها أمنيًا.

إلا أن الخطة تعثرت بشكل غير متوقع، ما دفع قائد الدعم السريع إلى الظهور بعد أقل من ساعة على قناة الجزيرة ليعلن: "ليس أمام البرهان سوى الاستسلام أو أن يتم القبض عليه." وجاء هذا التصريح بعد فشل الخطة الأولى، بسبب عدد من العوامل غير المتوقعة وغير المخطط لها:

  1. قيام أحد الطيارين بمهاجمة المقر الرئيسي للدعم السريع وسط العاصمة وقبالة القيادة العامة للجيش باستخدام طائرة حربية دون الحصول على (إذن أو توجيه) من قيادته، ولم يكتفِ بذلك، بل هاجم مؤخرة السرية المدججة التي كانت تحاصر منزل الفريق البرهان.
  2. صمود الحرس الرئاسي بقيادة اللواء نادر المنصوري، والذي خاض معركة "بيعة الموت"، حيث استُشهد معظم جنوده وضباطه باستثنائه وبعض الجنود.
  3. هجوم الجيش السوداني على معسكر سركاب غرب أم درمان، حيث شنت القوات الخاصة والطيران الحربي هجومًا استمر 24 ساعة على المعسكر، الذي كان يضم 6000 جندي من قوات الدعم السريع، مدججين بأسلحة حديثة وذخائر ووجبات جاهزة. وانتهى الهجوم باستلام المعسكر وعدد كبير من الأسلحة والذخائر والمدرعات.

مرحلة إعادة ترتيب الصفوف

أدت هذه المواجهات غير المتوقعة إلى فشل الهجوم المباغت، لكنه لم يؤدِ إلى انهيار كامل للخطة. انسحبت قوات الجيش إلى مواقعها في القيادة العامة وكرري بأم درمان والمدرعات في الخرطوم وغيرها، فيما بدأت قوات الدعم السريع في إعادة تجميع قواتها، ثم الانتشار الأفقي والسريع أو الخاطف.

في غضون ثمانية أشهر، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أكثر من نصف مساحة السودان، بما في ذلك:

  • مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم (الخرطوم، بحري، وأم درمان).
  • ولاية الجزيرة، أهم الولايات الاقتصادية.
  • أربع من أصل خمس ولايات في دارفور.
  • ولاية سنار وأجزاء واسعة من شمال وجنوب كردفان.
  • مناطق واسعة من ولاية النيل الأبيض.

رد فعل القوات المسلحة السودانية

أدى تقدم قوات الدعم السريع، الذي فاجأ المراقبين العسكريين وأثار غضب المواطنين المدنيين المتضررين من انكسارات الجيش، إلى نزوح أكثر من 14 مليون نازح إلى مناطق سيطرة الجيش، بعدما تعرضوا لعمليات نهب، واحتلال منازل، وسرقة مدخرات، واغتصاب، ثم تهجير قسري على يد الدعم السريع.

بالمقابل، بدأت القوات المسلحة في إعادة ترتيب صفوفها عبر عدة استراتيجيات:

  1. التمسك بالمواقع الاستراتيجية المتبقية في كرري بأم درمان (الطيران الحربي وقوات الصاعقة)، القيادة العامة، والمدرعات في الخرطوم، وسلاح المهندسين، والسلاح الطبي المجاور له، وسلاح الإشارة في الخرطوم بحري. وقد قُتل المئات من القوات المهاجمة واستُشهدت رتب عليا من قوات الجيش أمام جنودهم، ما كان له أثر طيب في نفوس القوات المدافعة.
  2. بناء تحالفات جديدة بعيدًا عن القوى الغربية والعربية الداعمة للدعم السريع، مما دفع القادة السودانيين إلى زيارة موسكو وبكين عدة مرات، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ما أسهم في تدفق الأسلحة، حتى وإن كانت بكميات محدودة، لكنها كافية.
  3. إصلاح وصيانة الطائرات والمدرعات بجهود مشتركة بين السودانيين وخبراء أجانب.
  4. فتح معسكرات التطوع لكل من يستطيع حمل السلاح في السودان.

الانتقال من الدفاع إلى الهجوم

ابتداءً من أغسطس 2024، بدأت القوات المسلحة السودانية في الانتقال من وضعية الدفاع إلى الهجوم، مما أثار فرحة شعبية واسعة. ومن أبرز إنجازاتها وفي فترة قياسية:

  • تحرير كامل ولايتي الجزيرة وسنار.
  • تحقيق تقدم كبير في ولاية الخرطوم وشمال كردفان.
  • الاستعداد لتحرير الخرطوم بالكامل خلال أيام، مما سيمكن الجيش من التوجه غربًا حيث معاقل الدعم السريع.

تزايد الدعم الشعبي والسياسي

شهدت الفترة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في مظاهر الدعم الشعبي للجيش السوداني في معاركه ضد قوات الدعم السريع، مما أسهم في تحقيق تقدم ملموس لقوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. تجلت هذه المظاهر في عدة جوانب، أبرزها:

  1. تشكيل مجموعات المقاومة الشعبية: أطلق الفريق أول عبد الفتاح البرهان حملة تعبئة جماهيرية تحت مسمى "المقاومة الشعبية"، هدفت إلى توحيد مختلف الفئات السياسية والاجتماعية للدفاع عن كرامة الوطن.
  2. مشاركة الفصائل الإسلامية: انضمت مجموعات إسلامية، مثل "كتيبة البراء بن مالك"، إلى صفوف الجيش السوداني، مستمدة دعمها من تاريخها في "قوات الدفاع الشعبي" خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.
  3. انخراط الشباب الثوري: مجموعات شبابية، مثل "غاضبون بلا حدود"، التي كانت معروفة بدورها في مقاومة المجلس العسكري الانتقالي بعد ثورة 2019، قررت حمل السلاح والانضمام إلى الجيش السوداني.
  4. تسليح وتدريب المدنيين: استجابة لدعوات التعبئة، تم تنظيم معسكرات تدريب للمدنيين في مختلف الولايات، بما في ذلك النساء، بهدف تعزيز قدرات الدفاع المحلي وحماية المجتمعات من تهديدات قوات الدعم السريع.

خاتمة

مثَّلت المواجهات الأخيرة نقطة تحول رئيسية في الصراع السوداني، حيث تمكنت القوات المسلحة من تجاوز حالة الحصار والمقاومة السلبية إلى الهجوم، بفضل التخطيط العسكري المحكم، والدعم الشعبي، وإعادة ترتيب التحالفات الدولية. وما تزال الأيام القادمة تحمل الكثير من المتغيرات، لكن المؤكد أن السودان يشهد مرحلة فارقة في تاريخه السياسي والعسكري.

أمية يوسف حسن أبوفداية
باحث استراتيجي في شؤون القرن الإفريقي