الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

في دائرة البحث

يتناول البحوث والدراسات والتقديرات حول القضايا محل الاهتمام، وما...

دور إسرائيل في المنطقة..  في ضوء التسوية في غزة والأحداث في سوريا

دور إسرائيل في المنطقة.. في ضوء التسوية في غزة والأحداث في سوريا

 في ضوء التسوية في غزة والأحداث في سوريا

تفتح المتغيرات الكثيرة على المستويين الدولي والإقليمي البابَ واسعًا أمام تحولات كبرى قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة؛ فالاتفاق الحالي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والذي من المحتمل أن يصبح اتفاقًا دائمًا، وسقوط نظام الأسد في سوريا وتولِّي إدارة جديدة البلاد، وعودة الرئيس الأمريكي ترامب، الذي تختلف استراتيجيته عن سلفه في التعامل مع الملفات العديدة التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وخصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، كلها ترجِّح أن المنطقة سوف تكون أمام أحداث كبيرة خلال الفترة المقبلة.

يُلاحَظ هنا أن إسرائيل هي العامل المشترك في الملفات الثلاثة المطروحة في المنطقة، وهي: الملف الفلسطيني، الذي يشهد تطورات متوالية في قطاع غزة، وملف التطبيع، خاصَّة مع السعودية، وملف سوريا بعد سقوط الأسد. فهي تحاول أن تخرج من كلٍّ منها بمكاسب كبيرة تعوِّض بها كارثة السابع من أكتوبر، وما ارتبط بها من فشل سياسي وعسكري واستخباري وأزمات مجتمعية كبرى، وهو ما سوف تظهر نتائجه الكارثية على الكيان الصهيوني في المستقبل القريب.

مستقبل الوضع في فلسطين

جاء الاتفاق الذي تمَّ توقيعه بين المقاومة وإسرائيل بشروط تتشابه كثيرًا مع الاتفاق الذي تعمَّد نتنياهو إفشاله في مايو 2024م.

كان واضحًا للباحثين والمحللين العسكريين الإسرائيليين أن دولتهم لن تتمكن من تحقيق أهدافها عبر العمل العسكري، وأن عليها أن تسلك مسارًا مختلفًا. وهو معنى عبَّر عنه الباحث الكبير في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، عوفير شيلح، عقب توقيع الاتفاق مباشرة، مؤكِّدًا قناعته بوجوب تمرير الاتفاق حول تحرير الأسرى مهما كانت كلفته، وما يترتب عليه من ألم نفسي وغضب مكتوم بسبب ما تتضمنه الصفقة؛ لأن إسرائيل -من وجهة نظره- ليست قادرة على القضاء على حركة حماس، إذ لم تكن مؤهلة لذلك قط، كما أن استخدام القوة، والمزيد من القوة، لم يعد يخدم إسرائيل، بل يخدم دوافع ومصالح خاصة. والطريقة الوحيدة الصحيحة التي ينبغي أن تتصرَّف بها إسرائيل هي تقديم بديل عن حماس في غزة، وليس مواصلة الحرب، خصوصًا أن الجيش استنزف مهامه وأهدافه في غزة، ولم يكن لضرباته أي تأثير في تغيير الواقع السياسي، بل إن حماس تعافت نتيجة هذه السياسة، والأكثر من ذلك أن قيادات حماس المستقبلية سوف تخرج من السجون وتعاود نشاطها حتى لو تمَّ ترحيلها بعيدًا عن فلسطين.

وقد بات من المؤكد أن نتنياهو أُجبر على قبول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وعلى الأرجح أن هذا الاتفاق سيمضي إلى نهايته لاعتبارات عدَّة، منها عدم رغبة الجيش الإسرائيلي في مواصلة العمل العسكري على قطاع غزة بالنمط نفسه قبل الاتفاق، وإن كان خضوع الجيش للقيادة السياسية قد يجبره على العودة للقتال إذا قررت الحكومة ذلك.

ويرتبط الاعتبار الثاني برغبة غالبية الإسرائيليين في المضي قدمًا في استكمال الاتفاق ووقف الحرب. أما الاعتبار الثالث، وهو الأكثر أهمية، فيرتبط بما يريد الرئيس الأمريكي فرضه من وقف تام لإطلاق النار للتفرغ للقضايا الأكثر إلحاحًا للمصالح الأمريكية، وبسبب طبيعة شخصية ترامب التوَّاقة إلى المجد والاعتداد بالنفس، مما يدفعه إلى محاولة إيجاد حل دائم للقضية على حساب الفلسطينيين. ويرتبط بالاعتبار السابق عامل آخر يتعلق برغبة الرئيس الأمريكي في اتخاذ خطوات فعلية نحو تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وهي خطوات لا يمكن أن تتم إن لم تتوقف الحرب بشكل كامل في القطاع.

غير أن يد إسرائيل التي تبدو، حتى اللحظة، مكبلة في غزة بعد الاتفاق الموقع، ليست كذلك في الضفة، كما أن سياسة ترامب فيما يتعلق بالضفة تبدو مشجعة لإسرائيل؛ فمن بين القرارات الأولى التي وقعها ترامب رفع العقوبات عن المستوطنين في الضفة الغربية، وهو ما يَعني إطلاق يد إسرائيل في مناطق السلطة الفلسطينية. 

ومن المهم هنا توضيح أن رؤية ترامب اليمينية، وما كان يأمله عند توقيع اتفاق أبراهام في ولايته الأولى، أن تضم إسرائيل جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية رسميًّا.

ما يدعم هذه التوجهات تصريحات جاءت على لسان أفراد ومستشارين في فريق العمل في الإدارة الأمريكية الجديدة من قبيل: "لا وجود للضفة الغربية، بل يهودا والسامرة"، ما يَعني أن هناك دفعًا نحو اعتبار الضفة الغربية تابعة لإسرائيل. 

ويدعم هذا التوجه أيضًا رفض غالبية الإسرائيليّين في الوقت الحالي (65%) حل الدولتين، مقابل (30%) فقط عام 2012م. علاوة على ذلك كله فإن فشل نتنياهو في غزة، ومحاولة إرضاء تطلعات الوزراء المتطرفين، سوف يدفعان إلى محاولة تجنب اللوم عبر المضي قدمًا في الضفة الغربية. 

ولا يقتصر الأمر هنا على عملية الجدار الحديدي التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في جنين والتي تتمدد خارجها، بل إنه يذهب نحو مزيدٍ من التوسع في الاستيطان، وما ينبني عليه من ضم الضفة أو أجزاء واسعة منها، وما يعنيه ذلك من تقويض تام لمسار أوسلو وحل الدولتين.

التطبيع مع السعودية

لا يبدو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، واحتمال إتمام وقف دائم للحرب، منعزلًا عن الحديث الدائر في إسرائيل حول التطبيع مع السعودية؛ فخلال الفترة الماضية تراكمت التصريحات والمقالات حول مسألة تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، بشكل يجعل من الاتفاق خيارًا ضروريًّا من أجل التمهيد لهذه الخطوة الخطيرة في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني.

تحدث الصحافي في "هآرتس"، حاييم ليفنسون، عن العلاقة الواضحة بين اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة والتطبيع السعودي الإسرائيلي المحتمل، مشيرًا إلى أن نتنياهو وشركاءه في الحكومة -المصرِّين على تصريحات العودة للحرب- يطلقون تصريحات لا علاقة لها بحقيقة ما يحدث. ويقول ليفنسون إن الاتفاق الحقيقي لا يرتبط بتحرير الأسرى، بل بصفقة تاريخية مع السعودية تأتي على رأس أولويات الرئيس الأمريكي ترامب.

وفي هذا السياق، لم يكن من الغريب أن يتحدث زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، في 23 يناير 2025م، عن "الفرصة التاريخية" لتعزيز وضع إسرائيل في المنطقة، وما يتضمنه أي اتفاق إقليمي مع السعودية من إمكانات كامنة كبيرة، وما يمكن أن يحققه لإسرائيل من إنجازات غير مسبوقة في جميع المجالات.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت نشرت في 9 يناير 2025م حوارًا مع الصحافي السعودي، عبد العزيز الخميس، الذي وصفته بالمقرَّب من العائلة المالكة، والذي أكد أن المستقبل القريب سيشهد اتفاقًا بين السعودية وإسرائيل، وأن مطالبة السعودية بحل الدولتين بشكل فوري ليس في الحقيقة شرطًا للتطبيع، فما تريده السعودية أن تكون هناك خارطة طريق مستقبلية، بمعنى أن يكون هناك التزام إسرائيلي يساعد الرئيس ترامب على التوصُّل للتطبيع بين البلدين. 

وعلى هذا الأساس يبدو أن قدوم ترامب وإدارته، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى أديا إلى رفع سقف طموحات الإسرائيليّين حول التطبيع مع السعودية؛ حتى إن القناة 12 الإسرائيلية تحدثت عن اكتمال الأعمال التحضيرية في إسرائيل لاتفاق التطبيع مع السعودية، كما توقع موقع القناة 2000 بدء دفع عملية التطبيع مع السعودية خلال ثلاثة أشهر، لكن رسائل إدارة ترامب تشير إلى أن الرياض لن توافق على التوصُّل إلى اتفاق رسمي مع إسرائيل من دون وقف الحرب في غزة، أي إتمام الصفقة برمتها، وليس المرحلة الأولى منها فقط. 

ولا شك أن الصحافة الإسرائيلية حين تتحدث عن اتفاق تطبيع مع السعودية فإنها تتحدث عن آفاق أوسع نحو اتخاذ دول عربية وإسلامية أخرى خطوات مماثلة؛ وفي مقدمتها إندونيسيا، الدولة الإسلامية الأكبر من حيث عدد السكان، والتي كانت خطوات التطبيع معها قد تعطلت نتيجة اندلاع الحرب في غزة. 

وهكذا سوف يكون نتنياهو أمام القرار الأكبر في حياته السياسية، والاختيار بين العودة إلى الحرب للإبقاء على ائتلافه الحاكم، أو التطبيع مع السعودية. وعلى هذا الأساس يصبح من المحتمل تقديم مسار التطبيع، إن تمَّ، في صورة أخلاقية، وتصويره على أنه الثمن الذي وجب دفعه لوقف حرب الإبادة في غزة، وهذا هو المعنى الضمني الذي اشتملت عليه مقالة الصحافية في موقع القناة 12 الإسرائيلية، دانا فايس. وبذلك يكون التطبيع بين الرياض وتل أبيب هو الهدف التالي لإدارة ترامب بعد أن تتمكن من إتمام اتفاق لوقف كامل للحرب في غزة.

الدور الإسرائيلي في سوريا

يمثل الواقع الجغرافي والوقائع التي تفرضها إسرائيل على الأرض في سوريا مدخلًا لها لتكون أحد اللاعبين المهمين في هذه الساحة. كما أن سقوط نظام الأسد وتولي إدارة جديدة ذات طابع إسلامي الحكم في دمشق يحمل في طياته عددًا من التحديات والفرص، وهو ما كان مثار اهتمام من جانب المحللين الإسرائيليين الذين تحدثوا عن هذه النقاط.

يرى البعض أن المتغيرات في سوريا تقدم فرصًا أكثر مما تحمل من تهديدات، كما أنها تمنح إسرائيل إمكانية التأثير في الواقع المستقبلي في سوريا لصالحها.

يعتمد هؤلاء على أن القوى الثورية في سوريا غير متحدة، وأن إسرائيل ستبقى خارج حسابات هذه القوى فترة طويلة لانشغالها بمحاولة إحكام السيطرة على سوريا وإدارة الدولة. وهذا يعني أنه كلما تمكنت سوريا من تجاوز حالة السيولة، وكلما تمكنت القوى السورية المختلفة من الاتحاد وإعادة بناء مؤسسات الدولة، كلما كان ذلك مقلقًا أكثر لإسرائيل؛ لأن السلطة السورية الجديدة سوف تتفرغ حينها لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.

ثمة تحدٍّ ثان يتمثل في الدور المحوري الذي تلعبه تركيا في تشكيل مستقبل سوريا؛ إذ يتطلع الرئيس أردوغان إلى جعل تركيا قوة إقليمية عبر تعزيز نفوذها في سوريا من خلال دعم العمليات العسكرية، وبناء الجيش، والمساهمة في إعادة التأهيل الاقتصادي لسوريا.

أما التحدي الثالث فيرتبط بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، التي تثير الشكوك حول مستوى الاهتمام الأمريكي بسوريا، خصوصًا أنه سعى في ولايته الأولى إلى إخراج القوات الأمريكية من سوريا، لكنه تراجع بسبب ضغوط مستشاريه. ومن ثم فإن أي انسحاب سريع للقوات الأمريكية، مثلما أراد من قبل، قد يؤدي إلى انهيار المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد لمصلحة النظام الجديد المدعوم من تركيا.

في المقابل، تبرز فرص أكبر، طبقًا للرؤية الإسرائيلية، من بينها إمكانية التأثير الإسرائيلي في الوضع السوري بالطريق المباشر من خلال إبقاء سيطرتها على المناطق الجديدة التي احتلتها من سوريا، وأن يكون خروجها منها -وهو أمر لا يبدو محتملًا في المنظور القريب- خروجًا مشروطًا. يضاف إلى ذلك استمرارها في قصف المواقع التي يحددها الجيش الإسرائيلي على أنها تحوي أسلحة يمكن أن تشكل خطرًا على إسرائيل مستقبلًا، بمعنى أنها تريد دولة سورية منزوعة السلاح.