شِدَّةٌ ولا مرسي لها!
بقلم المستشار أحمد عبد العزيز
رئيس رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج
رحم الله الرئيس محمد مرسي، الرئيس المسلم بحق، المصري بحق، المنتخب بحق، الأمين بحق، الزاهد بحق، الذي خلد التاريخ العديد من مقولاته التي عبّرت عن ضمير الشعب المصري تارة، ورسمت ملامح النهوض بمصر تارة، وأبانت عن احترامه العميق لشعبه تارة، وبرهنت على إحاطته بواجباته ومسؤولياته محليا وإقليميا تارة رابعة، لا سيما تجاه غزة التي تشهد، منذ أكثر من أربعة أشهر، أعتى وأبشع إبادة جماعية في التاريخ الحديث، على يد شذاذ الآفاق، نفاية العالم!
وكما كانت ولاية الرئيس مرسي أقصر ولاية في تاريخ «الجمهورية»، كان العدوان الصهيوني على غزة، في عام 2012، أقصر عدوان شنه العدو الصهيوني عليها، إذ لم يستمر هذا العدوان سوى ثمانية أيام فقط، وفي هذا إشارة يجب الوقوف عندها ولو قليلا.
لم تعد تُذكر غزة إلا ذُكر الرئيس مرسي مرادفا ومصاحبا لها؛ ولِمَ لا وهو صاحب المقولة الشهيرة: «لن نترك غزة وحدها». ولِمَ لا وهو الذي اتصل بالرئيس الأمريكي أوباما ليقول له: «يجب وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وألا يتكرر»؛ فتوقف العدوان. ولِمَ لا وهو الذي أرسل رئيس حكومته الدكتور هشام قنديل على رأس وفد رسمي، إلى غزة، والتقي رئيس حكومتها (آنذاك) أبو العبد إسماعيل هنية. ولِمَ لا وهو الذي أعان غزة بكل ما يلزمها، رغم أنف العدو الصهيوني.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس مرسي لم يجد فيما يسمونها «معاهدة السلام»، عائقا أو مانعا من نصرة غزة، تلك المعاهدة المشؤومة التي سلبت مصر الكثير من حقوقها وحضورها وتأثيرها.
فمن المعلوم بالضرورة، أن أهل غزة امتداد ديموغرافي واجتماعي للشعب المصري، وأمن غزة وأهلها يقع في القلب من أمن مصر القومي، ما يعني أن العدوان على غزة هو عدوان مباشر على مصر يجب إيقافه، أو الرد عليه إذا اقتضى الأمر؛ فضلا عن أن غزة تقع تحت الاحتلال، حسب توصيف القانون الدولي، ومصر لا يسعها إلا الوقوف إلى جانبها (سرا وعلانية) في مقاومتها لهذا الاحتلال، وفق هذا القانون الذي يكفل لها حق المقاومة بكل الوسائل الممكنة.
فإذا كان بين مصر والكيان الصهيوني «معاهدة سلام»، فإن ما بين الشعبين الشقيقين الجارين (المصري والفلسطيني) من أواصر الدين والدم والتاريخ ما هو أقوى إلزاما لمصر تجاه غزة ألف ألف مرة من معاهدة «جائرة» لم يُستشر بشأنها الشعب المصري!
قالها يوما أحد أبواق الانقلاب، وكان صادقا فيها؛ وهو الكذوب دائما، ويُدعى يوسف الحسيني، أو «الواد يوسف» بتعبير اللواء عباس كامل، يد السيسي اليسرى: «اليوتيوب لا ينسى»!
لذا، أدعوك (عزيزي القارئ) لمشاهدة هذه التسجيلات المرئية التي تُخَلد موقف الرئيس مرسي من العدوان الصهيوني على غزة، وهي ثلاثة تسجيلات: اثنان للرئيس، وواحد للأخ المجاهد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في الخارج:
التسجيل الأول للرئيس مرسي: جانب من اجتماع الرئيس برئيس وزرائه، وعدد من مستشاريه ووزرائه، ويظهر في التسجيل وزير الدفاع المنقلب عبد الفتاح السيسي، وهذا مقتطف من التسجيل:
«بالأمس موقفنا كان واضحا، وعبرنا عن هذا الموقف بسحب السفير المصري من «إسرائيل»، واستدعاء السفير «الإسرائيلي» وإبلاغه رسالة عبر الخارجية، بموقفنا من العدوان «الإسرائيلي» على غزة، وتم التواصل مع العالم؛ اتصلت بالأمين العام للجامعة العربية، وطلبت منه عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية في الجامعة العربية، في أسرع وقت؛ لبحث سُبل منع العدوان على غزة ودعم الشعب الفلسطيني والوقوف معه. واتصلت بالأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون، وأبلغته موقفنا، وطلبت منه أن تتحمل المنظمة الدولية المسؤولية تجاه منع هذا العدوان ووقفه، وضمان عدم تكراره. اتصلت فجر اليوم بالرئيس الأمريكي أوباما، وجرى بيننا حديث حول وجوب وقف هذا العدوان، وألا يتكرر....» (انتهى الاقتباس).
التسجيل الثاني للرئيس مرسي: وهي كلمة مؤثرة ألقاها الرئيس عقب صلاة الجمعة، استغرقت أكثر من عشرين دقيقة، جاء فيها:
«... نرى ما يقع في غزة من عدوان وقتل للرجال للنساء للأطفال.. دماء تراق.. هذا أمر خطير [أشار بسبابته محذرا].. وهذا عدوان سافر.. أكرر تحذيرا منه.. وأؤكد مرة ومرة لمن يعتدون، أنهم لن يكون لهم أبدا سلطان على أهل غزة.. لن نترك غزة وحدها.. لن نترك غزة وحدها [هتافات وتكبيرات من المصلين].. أقول لهؤلاء باسم الشعب المصري كله.. إن مصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس.. إن العرب اليوم مختلفون تماما عن العرب الأمس [هتافات لفلسطين من المصلين].. إن المسلمين اليوم ليسوا أبدا كما كانوا منذ سنوات.. وإنما نحن جميعا.. مصر بشعبها الكبير وإمكاناتها الضخمة، ورجالها الأفذاذ، ونسائها القادرات على العطاء.. مصر والعرب والمسلمون.. أقول بكل ثقة في هؤلاء جميعا.. لن يتركوا غزة وحدها.. إننا أمام هذا العدوان اليوم نقول للمعتدي، لن يتحقق لكم سلام بالعدوان..» (انتهى الاقتباس).
كلمة المجاهد خالد مشعل وشهادته في تأبين الرئيس مرسي في يونيو 2019، في الدوحة، وقد اختلط فيها الرثاء بالشكر والعرفان للرجل الذي قدم لغزة، في سنة حكمه «اليتيمة»، ما الله به عليم، ولم يُعلن منه إلا القليل، وهذا قبس منها:
«... أتينا إلى القاهرة، هذه القاهرة التي استعادت ألقها، واجتمعنا بالرئيس مرسي يوم الأحد 18 نوفمبر.. فقال لنا ما قاله للرئيس أوباما.. هذا عدوان ينبغي أن يتوقف.
وهنا بدأت لغة جديدة من جانب «الإسرائيليين» والأمريكان. ومفاوضات قادتها الدولة المصرية، ممثلة بجهاز المخابرات العامة، الذي أدى أداءً مميزا في تلك المفاوضات، مسنودا إلى بلده مصر.. هذا البلد العظيم، وإلى قائده ورئيسه الجديد.. وكذلك وزارة الخارجية المصرية، هذه الوزارة العريقة في تاريخها السياسي.
وشهدنا مفاوضات من نمط جديد، إسنادا لمعركة المقاومة الفلسطينية على الأرض في غزة.. التقطت «إسرائيل» الرسالة.. التقطتها بصواريخ المقاومة من غزة، وبصواريخ الموقف السياسي من القاهرة، فكانت (مع الإدارة الأمريكية) حريصة على وقف العدوان، والوصول إلى وقف إطلاق نار سريع...» (انتهى الاقتباس).
إذَن مرسي كان حاضرا، في عام 2012، وأظهر من الحزم ما لم يعهده العدو الصهيوني وحلفاؤه من أي زعيم عربي أو مسلم من قبل، فأدرك أن مشروعه العنصري وحلمه التوسعي على المحك ما بقي مرسي في الحكم، أو إذا نجح مرسي في إرساء قواعد نظام وطني سليم، يدرك واجباته، ويعرف أولوياته، ويقوم بأعبائه ومسؤولياته، فيأتي من بعد مرسي من لا يمكنه أن يحيد عن خط مرسي، حتى لو خالفه أيديولوجيا، إذ عليه (كي ينجح) أن يتفوق على مرسي، أو أن يكون مثله على الأقل؛ لذا، كان لابد من إزاحة مرسي ومشروعه الذي يحمله بين جنبيه، وأعلن عن بعضٍ منه؛ بلد قوي منتِج متقدم يسوده العدل، يكون نواة لأمة واحدة يشد بعضها بعضا، وتفرض احترامها على العالم..
أما اليوم وقد غاب مرسي، فلنا أن نقول في أسى: إنها شِدَّة ولا مرسي لها.