حافظ عبدالحميد
أحد الستة المؤسسين
مواليد الإسماعيلية
تاريخ الميلاد: 1906
المهنة: نجار
كثير من الناس يولدون ويموتون ولا يسمع عنهم أحد ولا يتركون أي بصمة تظل تذكرهم بعد رحيلهم، وقليلا من الناس من يسطر تاريخيا لنفسه بمداد من نور حتى ولو لم يحظ من المكانة مثل غيره، او كان عاملا او فقيرا، وهو ما ينطبق على حافظ عبد الحميد أحد الستة الذين كانوا نواة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين فرفع الله ذكرهم بين الناس، وسيظل اسمه متداولا على ألسنة الناس.
البداية
لا يعرف متى ولد حافظ عبدالحميد إلا أنه كان قريب من سن أقرانه الذين تعرفوا على الأستاذ البنا، بل ربما يكون مولده من ميلاد الإمام البنا عام 1906 أو 1907.
لم يحظ عبد الحميد بالشهادات العالية لأن نشأ في أسرة فقيرة بمدينة الإسماعيلية فامتهن مهنة النجارة حيث كان يعمل مع كثير من الخواجات في الحي الإفرنجي.
مع إخوانه
كان حافظ ينتهي من عمله بالحي الإفرنجي ويعود لمسكنه بالحي الشعبي في النصف الثاني من مدينة الإسماعيلية حيث كان محافظا على صلاته وأخلاقه، وكان يلتقى ببعض أصدقاءه على المقاهي والتي شهدت زيارات الشاب حسن البنا ببدلته وطربوشه وسنه الصغير وحديثه في أمور الدين بأسلوب جديد بعيد عن التعصب أو تنفير الناس، وهو ما جذب عبدالحميد فأخذ يتلمس القرب من هذا الشاب، حتى اتفق مع بقية أصحابه على زيارة الأستاذ البنا لمعرفة كيفية العمل لهذا الدين على قدر استطاعتهم، فكانت البداية لتكوين جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م.
كلمات من نور
على الرغم من كون هؤلاء الستة عمال ما بين سائق ونجار وحلاق (حتى أن توفيق عكاشة حاول أن ينتقص من شخصياتهم حينما قال من أسس جماعة الإخوان المسلمين عربجي وعجلاتي وحلاق) إلا انهم أثبتوا بمواقفهم وكلماتهم أنهم أفضل بكثير ممن حصلوا على الشهادات العالية ولم يعملوا بها لا من أجل دينهم ولا وطنهم.
جاءت كلماتهم مؤثرة حينما شخصوا الحال وطلبوا الحل فقالوا: (لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريقة العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، ولقد سئمنا هذه الحياة: حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب، ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة، من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عدته).
مراقبا للإخوان بالإسماعيلية
اختير حافظ عبدالحميد ضمن الجمعية العمومية للإخوان في الإسماعيلية، وحينما نقل حسن البنا إلى القاهرة في أكتوبر من عام 1932م انتخب الشيخ علي أحمد الجداوي نائبا للإسماعيلية، كما اختير حافظ عبد الحميد مراقبا لها من قبل مكتب الإرشاد.
وحينما عقد أول مجلس شورى عام لجماعة الإخوان في 22من صفر 1352هـ الموافق 15من يونيو 1933م بمدينة الإسماعيلية شارك فيه الأستاذ حافظ، وتم اختياره عضوا منتدبا في أول تشكيل لمكتب إرشاد الإخوان المسلمين، وشارك في التوقيع على العريضة التي رفعها مكتب الإرشاد إلى الملك وشيخ الأزهر ورئيس الوزراء تناشدهم التصدي للتبشير الذي انتشر في ربوع مصر تحت مسمى مدارس ومستشفيات.
وحينما انعقد مجلس الشورى الثاني للإخوان بمدينة بورسعيد في اليوم الثاني من شهر شوال 1352هـ الموافق 18 يناير 1934م كان ضمن من مثلوا مكتب الإسماعيلية.
مواقف لها تاريخ
على الرغم من كونه نجارا إلا أن كان عفيفا أمينا، حيث ترك لنا موقفا تربويا ما زال يتحاكى به الصغير والكبير، وهو الموقف الذي سطره الأستاذ البنا في مذكراته بقوله:
استدعى المسيو "سولنت - مهندس القنال ورئيس قسم السكسيون - حافظ عبد الحميد ليصلح له بعض أدوات النجارة في منزله وسأله عما يطلب من أجر فقال: 130 قرشًا، فقال المسيو "سولنت" بالعربي: "أنت حرامي"، فتمالك الأخ نفسه وقال له بكل هدوء: ولماذا؟ فقال: لأنك تأخذ أكثر من حقك، فقال له: لن آخذ منك شيئًا ومع ذلك فإنك تستطيع أن تسأل أحد المهندسين من مرؤوسيك، فإن رأى أنني طلبت أكثر من القدر المناسب فإن عقوبتي أن أقوم بالعمل مجانًا، وإن رأى أنني طلبت أقل مما يصح أن أطلب فأسامحك في الزيادة، واستدعى الرجل فعلاً مهندسًا وسأله فقدر أن العمل يستوجب 200 قرش، فتأكد المسيو "سولنت" مما قاله حافظ وأمره أن يبتدئ العمل، فقال له: سأفعل ولكنك أهنتني فعليك أن تعتذر وأن تسحب كلمتك، فاستشاط الرجل غضبًا وغلبه الطابع الفرنسي الحاد، وأخذته العزة بالإثم وقال: تريد أن أعتذر لك ومن أنت؟! لو كان الملك فؤاد نفسه ما اعتذرت له، فقال حافظ في هدوء أيضًا: وهذه غلطة أخرى يا مسيو "سولنت"، فأنت في بلد الملك فؤاد وكان أدب الضيافة وعرفان الجميل يفرضان عليك ألا تقول مثل هذا الكلام، وأنا لا أسمح لك أن تذكر اسمه إلا بكل أدب واحترام، فتركه وأخذ يتمشى في البهو الفسيح ويداه في جيب بنطلونه، ووضع حافظ عدته وجلس على كرسي واتكأ على منضدة، وسادت فترة سكوت لا يتخللها إلا وقع أقدام المسيو الثائر الحائر، وبعد قليل تقدم من حافظ وقال له: افرض أنني لم أعتذر لك فماذا تفعل؟ فقال: الأمر هين سأكتب تقريرًا إلى قنصلكم هنا وإلى سفارتكم أولاً ثم إلى مجلس إدارة قناة السويس بباريس، ثم الجرائد الفرنسية المحلية والأجنبية ثم أترقب كل قادم من أعضاء هذا المجلس فأشكو له، فإذا لم أصل إلى حقي بعد ذلك استطعت أن أهينك في الشارع وعلى ملأ من الناس، وأكون بذلك قد وصلت إلى ما أريد، ولا تنتظر أن أشكوك إلى الحكومة المصرية التي قيدتموها بسلاسل الامتيازات الأجنبية الظالمة، ولكني لن أهدأ حتى أصل إلى حقي بأي طريق، فقال الرجل: يظهر أنني أتكلم مع "أفوكاتو" لا نجار، ألا تعلم أنني كبير المهندسين في قناة السويس، فكيف تتصور أن أعتذر لك؟ فقال حافظ: وألا تعلم أن قناة السويس في وطني لا في وطنك وأن مدة استيلائكم عليها مؤقتة وستنتهي ثم تعود إلينا، فتكون أنت وأمثالك موظفين عندنا، فكيف تتصور أن أدع حقي لك؟ وانصرف الرجل إلى مشيته الأولى وبعد فترة عاد مرة ثانية وعلى وجهه أمارات التأثر وطرق المنضدة بيده في عنف مرات وهو يقول: أعتذر يا حافظ سحبت كلمتي، فقام الأخ حافظ بكل هدوء وقال: متشكر يا مسيو "سولنت" وزاول عمله حتى أتمه.
وبعد الانتهاء أعطاه المسيو سولنت مائة وخمسين قرشًا فأخذ منها مائة وثلاثين قرشًا ورد له العشرين، فقال له: خذها "بقشيشًا" فقال: لا، حتى لا آخذ أكثر من حقي فأكون "حرامي". فدهش الرجل، وقال: إني مستغرب لماذا لا يكون كل الصناع أولاد العرب مثلك؟ أنت "فاميلي محمد" فقال حافظ: يا مسيو "سولنت" كل المسلمين "فاميلي محمد" ولكن الكثير منهم عاشروا "الخواجات" وقلدوهم ففسدت أخلاقهم، فلم يرد الرجل بأكثر من أن مد يده مصافحًا قائلاً: متشكر، متشكر، كتر خيرك، كان فيها الإذن بالانصراف.
تاريخ لم يكتمل
يبدو أن الله فتح على الأستاذ حافظ عبدالحميد لأن المصادر تذكر أنه كان يصطحب الإمام في زياراته لشعب الإسماعيلية، حيث استقل الإمام البنا في أحد الأيام سيارة الحاج عبد الحميد لزيارة خاطفة لإخوان البلاح بالإسماعيلية.
لم خلت جميع مصادر الإخوان المسلمين سواء الصحف أو المذكرات عن ذكر الأستاذ حافظ عبدالحميد ولا ندري هل توفي مبكرا أم لا.
المصادر
- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2002م، صـ83.
- موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)، https://bit.ly/2ZYFWY1
- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الثاني، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004.